في مقابلة تلفزيونية حديثة، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن المرجعية الوحيدة لحل الخلافات بين الجزائر وفرنسا هي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، متجاوزًا أي وساطات أو مستويات أخرى من الحوار. هذا التصريح يأتي في سياق محاولة الجزائر إعادة ضبط علاقتها مع باريس بعد سلسلة من التوترات التي تفجرت بسبب قضايا متعددة، من بينها ترحيل مواطنين جزائريين من فرنسا، واعتراف ماكرون بسيادة المغرب على الصحراء المغربية.
التوترات المتصاعدة بين البلدين
شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية توترًا غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة. فقد اتخذت باريس إجراءات مشددة ضد بعض الشخصيات الجزائرية، من بينها إعداد قائمة تضم 800 مسؤول جزائري سيتم إخضاعهم لإجراءات مشددة عند دخول الأراضي الفرنسية. من جانبها، ردّت الجزائر بتصريحات حادة، واصفة هذه الإجراءات بأنها جزء من “مؤامرة يقودها اليمين المتطرف الفرنسي”، وفق ما جاء في بيانات وزارة الخارجية الجزائرية.
الخلاف بين البلدين تفاقم أيضًا بسبب رفض الجزائر استعادة بعض مواطنيها المقيمين في فرنسا، الذين تعتبرهم باريس “غير مرغوب فيهم”، مما دفع وزير الداخلية الفرنسي إلى التلويح بإمكانية مراجعة اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة في الإقامة والعمل بفرنسا.
ملف بوعلام صنصال يُشعل الجدل
إحدى القضايا التي ساهمت في تصعيد التوتر بين البلدين هي اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر العاصمة، بعد تصريحات أدلى بها لصحيفة فرنسية مقربة من اليمين المتطرف. صنصال، الذي يبلغ من العمر 80 عامًا، اتهم النظام الجزائري بـ”اختراع البوليساريو لضرب استقرار المغرب”، وأشار إلى أن بعض المدن الجزائرية الغربية، مثل تلمسان ووهران، كانت تاريخيًا جزءًا من المغرب قبل الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
أثارت هذه التصريحات غضب السلطات الجزائرية، التي اعتبرته “محرّفًا للحقائق”، ووجهت له تهمًا تتعلق بـ”المساس بوحدة الجزائر”، وطالبت النيابة العامة بسجنه عشر سنوات. في المقابل، نظمت لجنة فرنسية لدعمه مظاهرات في باريس، واعتبرت أن الحكم بحقه “يعادل الإعدام” نظرًا لسنه المتقدم ومعاناته من السرطان.
الرهان على الحوار المباشر مع ماكرون
في ظل هذه الأزمات، يبدو أن الرئيس الجزائري يحاول تهدئة الأوضاع عبر التأكيد على أن الحوار المباشر مع إيمانويل ماكرون هو السبيل الوحيد لحل الخلافات. ويرى تبون أن المشكلات الحالية هي “مفتعلة”، دون أن يحدد الجهة التي تقف وراءها، لكنه شدد على أن العلاقات بين البلدين يجب أن تبقى بين “قوتين مستقلتين، واحدة أوروبية والأخرى إفريقية”، بعيدًا عن التدخلات الجانبية.
ورغم هذا الخطاب التصالحي، تبقى العلاقات بين الجزائر وباريس عالقة في دوامة من التصعيد والتهدئة، حيث تتداخل المصالح السياسية، التاريخية، والاقتصادية بين البلدين، ما يجعل أي تقارب دائم أمرًا معقدًا في ظل الملفات العالقة والمواقف المتباينة.