إفطار رمزي على الحدود المغربية الجزائرية: عندما تتحدى الروابط الإنسانية الخلافات السياسية
حنان الفاتحي
في مشهد استثنائي يعكس صلابة الروابط العائلية والاجتماعية بين الشعبين المغربي والجزائري، تحول إفطار رمزي نظمه مجموعة من الشباب من البلدين إلى صرخة إنسانية ضد الحدود السياسية، التي تفرق بين العائلات وتقيد التواصل بين الجيران. المبادرة، التي جمعت أفرادًا من الضفتين على بعد أمتار قليلة، سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حظيت بتعاطف واسع وتفاعل كبير، ورسخت صورة قوية عن عمق العلاقات التي لم تفلح الخلافات السياسية في طمسها.
إفطار بين ضفتين.. ورسالة واحدة
أطلق هذه المبادرة المدون المغربي صابر الشاوني، الذي عرف بجولاته الرمضانية لتجربة الإفطار في مختلف المدن المغربية. لكنه قرر في اليوم الثامن عشر من رمضان كسر النمط التقليدي وخوض تجربة مختلفة، من خلال الإفطار عند الشريط الحدودي الفاصل بين المغرب والجزائر. جاءت الدعوة من الشاب الجزائري زكرياء، الذي ينتمي إلى عائلة مختلطة، فوالدته جزائرية ووالده مغربي، لكن ظروف الإغلاق الحدودي أجبرته على العيش بعيدًا عن جزء من أسرته.
لم يكن المشهد مجرد لقاء عابر، بل كان صورة مصغرة لمعاناة آلاف العائلات المقسمة، حيث جلس كل طرف من العائلة على جهته من الحدود، لا يفصلهم سوى أمتار قليلة، لكن دون القدرة على العناق أو الجلوس على مائدة واحدة. المشاعر كانت مختلطة بين الفرح لرؤية الأحبة، والحزن لوجود حاجز يحول دون اللقاء الحقيقي.
تفاعل واسع ورسائل مؤثرة
المبادرة سرعان ما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها الكثيرون رمزًا لصمود الروابط الشعبية أمام الخلافات السياسية. تعليقات عديدة عبّرت عن الأمل في أن يأتي يوم تنتهي فيه هذه الحواجز، ويرفع الستار عن معاناة العائلات التي وجدت نفسها رهينة قرارات سياسية.
“السياسة تفرقنا لكن الدم يجمعنا”، كتب أحد المغردين، بينما قال آخر “نحن إخوة مهما حاولوا فصلنا، يوما ما سنكسر هذه الحواجز”. المشهد كان بمثابة مرآة تعكس حلم الكثيرين بعودة العلاقات الإنسانية والاجتماعية إلى سابق عهدها، بعيدًا عن التجاذبات السياسية والإعلامية التي لا تعكس حقيقة الروابط العميقة بين الشعبين.
منذ إغلاق الحدود عام 1994، تعيش آلاف الأسر حالة انفصال قسري، حيث لا يمكن للأقارب زيارة بعضهم البعض إلا عبر دول أخرى، مما يجعل اللقاءات نادرة ومكلفة. رغم ذلك، لم تنجح هذه العراقيل في إطفاء شعلة الروابط الأخوية، حيث لا يزال سكان الشريط الحدودي يحاولون، بطرق مختلفة، الإبقاء على التواصل رغم القيود المفروضة.
أكثر من مجرد إفطار.. رسالة إلى المستقبل
قد لا تغير هذه المبادرة البسيطة الواقع السياسي، لكنها رسالة رمزية قوية تعبر عن رغبة الشعوب في تجاوز الخلافات وبناء جسور المحبة والتواصل. وسط التجاذبات السياسية المتزايدة، تأتي مثل هذه اللحظات لتذكر الجميع بأن ما يجمع المغرب والجزائر أكثر بكثير مما يفرقهما، وأن الأواصر الإنسانية ستظل دائمًا أقوى من أي خلاف سياسي.
فهل يكون هذا الإفطار الرمزي خطوة أولى نحو إذابة الجليد، أم سيظل مجرد لحظة عابرة في انتظار مصالحة طال انتظارها؟