محاكمة بوعلام صنصال: حرية التعبير في قفص الاتهام

سومية العلكي

وسط أجواء من التوتر السياسي والتصعيد الحقوقي، طالب وكيل الجمهورية الجزائري لدى محكمة الجنايات بالدار البيضاء بإنزال عقوبة السجن عشر سنوات بحق الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، إلى جانب غرامة مالية قدرها مليون دينار جزائري. وجاء ذلك خلال جلسة محاكمته يوم الأربعاء 19 مارس 2025، حيث يواجه تهماً تتعلق بـ “المساس بالوحدة الوطنية”، “إهانة هيئة نظامية”، و**“الإضرار بالاقتصاد الوطني”**، إضافة إلى “حيازة منشورات وفيديوهات تهدد الأمن القومي”.

بوعلام صنصال، الكاتب المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، والذي يبلغ من العمر 80 عامًا، نفى جميع الاتهامات المنسوبة إليه، مؤكداً أن كتاباته وتصريحاته لا تتجاوز حدود التعبير عن الرأي، كما هو حق مكفول لأي مواطن جزائري. وأوضح صنصال خلال مثوله أمام المحكمة أن “وطنيته لا غبار عليها”، مشدداً على أن تصريحاته الصحفية لم تكن تهدف إلى الإساءة للمؤسسات الوطنية أو التشكيك في السيادة الجزائرية.

وركزت النيابة العامة في مرافعتها على تصريحات صنصال خلال مقابلة مع وسيلة إعلام فرنسية، حيث أشار إلى أن بعض المدن الجزائرية، مثل تلمسان ووهران ومعسكر، كانت تاريخياً جزءاً من المغرب. وهو ما اعتبرته السلطات مساسًا بالأمن القومي، مستندة إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، التي تصنف هذه التصريحات ضمن “أفعال الإرهاب والتخريب”.

أثارت هذه القضية تنديدًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والثقافية، خاصة في فرنسا، حيث طالبت شخصيات ومؤسسات دولية بالإفراج الفوري عن الكاتب. وزادت حدة الانتقادات بسبب وضع صنصال الصحي، إذ يعاني من مرض السرطان، لكن السلطات الجزائرية تجاهلت النداءات الدولية وأصرت على محاكمته في حالة اعتقال.

في المقابل، سعت وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية إلى التقليل من المخاوف الصحية بشأن صنصال، مشيرة إلى أنه “بدا في صحة جيدة” خلال الجلسة، في محاولة للرد على الانتقادات الحقوقية المتزايدة.

يرى مراقبون أن هذه المحاكمة تتجاوز البعد القانوني، حيث تحمل أبعادًا سياسية في سياق التوتر الدبلوماسي المتزايد بين الجزائر وفرنسا. ويعتبرون أن التضييق على صنصال يأتي ضمن حملة أوسع تستهدف حرية التعبير، في ظل تشديد السلطات قبضتها على المشهد الإعلامي والثقافي في البلاد.

وفي هذا السياق، أعلن محامي الدفاع فرانسوا زيمري أنه سيلجأ إلى الأمم المتحدة والهيئات الحقوقية الدولية، مؤكداً أن موكله “يُحاكم بسبب آرائه وليس بسبب أي تهديد حقيقي لأمن الدولة”.

بعد جلسة استماع مطولة، قررت المحكمة تأجيل النطق بالحكم إلى 27 مارس، وسط ترقب كبير لما ستؤول إليه القضية. وفيما تصر الجزائر على اعتبار القضية شأنًا سياديًا وأمنيًا، يرى معارضون أن محاكمة صنصال تكشف عن نهج أكثر صرامة في التعامل مع الأصوات المنتقدة، مما يزيد المخاوف بشأن مستقبل الحريات في البلاد.

في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستكون محاكمة صنصال سابقة لتعزيز قبضة السلطات على حرية التعبير، أم أن الضغط الدولي سيؤدي إلى انفراج في قضيته؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: