ظاهرة التعلاق في تيك توك: من الترفيه إلى الأذى النفسي

بوشعيب البازي

أصبح تطبيق تيك توك فضاءً واسعًا للصراعات والملاسنات، حيث ينتظر البعض زلة لسان أو خطأ لأحدهم ليعلق عليه ويصبح حديث الجميع. هذه الظاهرة، المعروفة بـ”التعلاق”، تحولت إلى أسلوب حياة يومي لبعض المستخدمين، حتى باتت جزءًا من روتينهم، على حساب الوقت الذي كان يُقضى في أمور أكثر فائدة، مثل العمل، وتربية الأطفال، وحتى الاسترخاء في المقاهي.

منصات للصراعات والتشهير

لم تعد تيك توك مجرد منصة ترفيهية، بل أصبحت ساحة للمشادات والمواجهات العلنية، يشارك فيها الجميع: نساء، شباب، أرامل، شيوخ، ورجال، حيث يقضون الساعات في جدالات عقيمة، وفي اليوم التالي يتصرفون وكأن شيئًا لم يكن. هذا الجو المشحون أفرز سلوكيات جديدة، مثل تهديد الآخرين بتسجيلات صوتية أو محادثات خاصة، بالإضافة إلى ظهور مجموعات تسعى لتحقيق أجندات معينة أو حتى تشكيل عصابات إلكترونية هدفها الابتزاز والتشهير.

الهدايا التكتوكية والإدمان الرقمي

أحد العوامل التي تغذي هذه الظاهرة هو البحث عن المال والهدايا التكتوكية، حيث أصبح البعض مهووسًا بجذب المشاهدات والتفاعل لتحقيق أرباح مادية. في المقابل، هناك من فقد السيطرة وأصبح مدمنًا على التيك توك، يستهلك وقته وعقله في هذا العالم الافتراضي حتى بات يعاني مما يمكن وصفه بـ”مرض المنصات”.

هذا و قد تجاوزت هذه الظاهرة ( التعلاق ) حدود الترفيه لتصبح سببًا في معاناة نفسية حقيقية، حيث قد تؤدي الإساءة المستمرة والتنمر الإلكتروني إلى نتائج وخيمة، تصل أحيانًا إلى الانهيار العصبي أو حتى التفكير في الانتحار لدى الأشخاص الذين لا يتحملون الضغط النفسي. فقد أصبحت ساحة معركة افتراضية يتبارز فيها المستخدمون بالمشادات والاتهامات، دون مراعاة للضرر النفسي الذي قد يلحق بالآخرين. بعض الأشخاص يجدون أنفسهم ضحايا لحملات تشهير، تتضمن نشر تسجيلات صوتية، أو رسائل خاصة، أو حتى فبركة محتوى لتشويه سمعتهم. هذا الضغط النفسي المستمر قد يدفع البعض إلى العزلة أو إلى حالة من الانهيار العصبي، خاصة إذا كانوا يعانون من هشاشة نفسية أو يواجهون ضغوطًا أخرى في حياتهم اليومية.

الإدمان على التيك توك والهروب إلى الوهم

هناك من ينجذب إلى التيك توك بحثًا عن الشهرة أو المال من خلال الهدايا الرقمية، فيصبحون أسرى لهذا العالم الافتراضي، غير مدركين أنهم قد يقعون في فخ الإدمان الرقمي. في المقابل، هناك من يُستهدف من قبل مستخدمين آخرين بهدف السخرية أو التهكم، مما يجعلهم عالقين بين الرغبة في الدفاع عن أنفسهم والخوف من المزيد من الهجوم. البعض ينهار نفسيًا، والبعض الآخر يصل به الأمر إلى التفكير في إنهاء حياته بسبب الإحساس بالعجز والاضطهاد.

مع تزايد هذه الحالات، أصبح من الضروري تدخل السلطات لمواجهة التنمر الإلكتروني والابتزاز الرقمي، سواء من خلال سن قوانين صارمة تعاقب المتورطين في التشهير والتهديد، أو من خلال توفير دعم نفسي للأشخاص الذين يعانون من تبعات هذه الظاهرة. في بعض الدول، تم بالفعل اتخاذ إجراءات قانونية ضد بعض المستخدمين الذين استخدموا التيك توك لنشر الكراهية أو التحريض ضد الآخرين، ولكن لا يزال الأمر بحاجة إلى وعي مجتمعي أكبر بمخاطر هذه المنصات.

قد يكون الحل في تجنب هذه المنصات بشكل نهائي، لكن بالنسبة للكثيرين، أصبح العالم الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. لذلك، يبقى الحل الأمثل هو استخدام هذه التطبيقات بوعي، وتجنب الانخراط في النزاعات التافهة، وعدم إعطاء المتنمرين فرصة للتأثير على الصحة النفسية. كما يجب تعزيز القوانين التي تحمي الأفراد من الأذى الإلكتروني، لأن الضرر النفسي الذي قد تسببه هذه المنصات قد يكون أخطر من أي أذى جسدي. فهل نحن مستعدون لإعادة النظر في طريقة استخدامنا لهذه المنصات قبل أن تتحول إلى أدوات تدمير اجتماعي ونفسي؟

هويات زائفة وعلاقات وهمية

من أخطر ما يميز هذه الظاهرة أن كثيرين يدخلون التيك توك بهويات مزيفة، مستخدمين أسماء مستعارة وصورًا غير حقيقية، مما يجعل التعامل معهم أشبه بالحديث إلى الأشباح. هذه العلاقات الافتراضية التي تفتقر إلى المصداقية قد تخلق مشكلات اجتماعية ونفسية خطيرة، حيث ينساق البعض خلف أوهام لا أساس لها في الواقع.

في ظل هذه الفوضى الرقمية، قد يكون الحل الأنسب هو تقليل الاعتماد على هذه المنصات، أو على الأقل استخدامها بحذر ووعي. الابتعاد النهائي قد يكون خيارًا صعبًا بالنسبة للبعض، لكنه قد يكون الحل الوحيد لمنع التأثير السلبي لهذه الظاهرة على حياتهم اليومية. فهل يمكن لمستخدمي تيك توك أن يعيدوا النظر في طريقة تعاملهم مع هذه المنصة قبل أن يفقدوا المزيد من الوقت والهوية في عالم افتراضي لا يرحم؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: