اليمن: أزمة سياسية واجتماعية في دوامة المصالح الخارجية والصراعات الداخلية

بوشعيب البازي

يعيش اليمن أزمة سياسية واجتماعية معقدة، حيث تعاني البلاد من تفكك سياسي حاد وصراع مستمر بين القوى الداخلية والمصالح الإقليمية المتداخلة، مما جعل العملية السياسية أداة لتنفيذ أجندات خارجية بدلاً من أن تكون وسيلة لتحقيق تطلعات الشعب. لم تبدأ هذه الأزمة بعد أحداث 2011 أو انقلاب 2014، بل هي نتيجة تراكم طويل من الفشل السياسي وسوء الإدارة، حيث تسعى الأطراف المتصارعة إلى تعزيز نفوذها دون اعتبار لمصلحة اليمنيين، مما يجعل أي حلول سياسية مجرد إعادة إنتاج للأزمة وليست حلاً فعليًا لها.

غياب الدولة الفاعلة أدى إلى تحويل مؤسسات الحكم إلى أدوات بيد الأحزاب والتكتلات، حيث يخدم المسؤولون مصالح الجهات التي أوصلتهم إلى المناصب، مما تسبب في هدر الموارد وانعدام التنمية واستغلال السلطة لأغراض شخصية. أما جماعة الحوثي، فمشكلتها لا تقتصر على قياداتها، بل تمتد إلى أيديولوجية تعتمد على غسل الأدمغة ونشر الفكر الطائفي وتجنيد الأطفال بدعم من إيران، التي حولت اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

اجتماعيًا، يعاني اليمن من انهيار شامل في الخدمات، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب الحرب المستمرة، وارتفعت معدلات الفقر والبطالة، بينما تدهورت الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وسط انتشار الفساد في مختلف مؤسسات الدولة. هذه العوامل أدت إلى تعميق معاناة المواطنين وزيادة الفجوة بين الشعب والقيادات السياسية.

الحل في اليمن لا يكمن في تغيير الوجوه فقط، بل في إعادة هيكلة النظام السياسي ليكون مستقلًا عن النفوذ الحزبي والميليشياوي، وإصلاح المنظومة القانونية لضمان العدالة والمحاسبة، وإعادة بناء الاقتصاد بعيدًا عن الفساد والمصالح الضيقة، وتعزيز الهوية الوطنية لمواجهة المشاريع الإقليمية التي تسعى إلى تقسيم البلاد. يبقى مستقبل اليمن مرهونًا بقدرة شعبه على تجاوز الانقسامات وبناء دولة قائمة على العدالة والاستقلالية، بعيدًا عن الصراعات الإقليمية والولاءات الخارجية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: