يتصاعد التوتر بين فرنسا والجزائر بشكل غير مسبوق، مع دخول العلاقات بين البلدين في مرحلة من المواجهة السياسية والدبلوماسية، وسط سلسلة من الإجراءات الانتقامية المتبادلة. صحيفة لوبينيون الفرنسية تناولت في تقرير لها أبعاد هذا التصعيد، مؤكدة أن كلا الطرفين يملك أوراق ضغط يمكنه استخدامها في هذه المواجهة المتصاعدة.
اندلعت الأزمة بعد رفض الجزائر استقبال 60 من مواطنيها الذين تسعى فرنسا إلى ترحيلهم، ما دفع وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، إلى إعلان تفعيل “رد تدريجي”، قد يؤدي إلى تصعيد غير متوقع العواقب. ويأتي هذا التطور في سياق توتر متزايد، خاصة بعد اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، إضافة إلى حادثة هجوم مدينة ميلوز، الذي نفذه جزائري كانت فرنسا تحاول ترحيله.
في مواجهة التعنت الجزائري، بدأت باريس في اتخاذ إجراءات تصعيدية، كان أولها رفض دخول ثلاثة دبلوماسيين جزائريين، إلى جانب دراسة إلغاء اتفاقية 2007 الخاصة بإعفاء التأشيرات لحاملي الجوازات الدبلوماسية. كما تبحث الحكومة الفرنسية خيارات أكثر صرامة، مثل إعداد قائمة بأشخاص غير مرغوب فيهم لطردهم من فرنسا، وتشديد منح التأشيرات، واستهداف كبار المسؤولين الجزائريين. بل إن بعض المقترحات تشمل تعليق أنشطة الشركات الجزائرية في فرنسا، وفرض رقابة مشددة على الرحلات البحرية والجوية بين البلدين.
من جانبها، تؤكد الجزائر رفضها “لسياسة ليّ الأذرع”، وتحذر من أنها ستتخذ إجراءات مضادة لأي خطوة فرنسية تصعيدية. ومن بين الأوراق التي تملكها الجزائر، إعادة النظر في عقود تأجير 61 عقارًا تشغلها فرنسا، بما في ذلك مقر السفارة الفرنسية في الجزائر، الذي يقع في موقع استراتيجي ويدفع مقابل إيجاره مبلغًا زهيدًا. كما يمكن للجزائر فرض قيود على الشركات الفرنسية، خاصة في قطاعات النقل الجوي والبحري، وقد تصل الأمور إلى حظر عبور الطائرات المدنية الفرنسية أجواءها، مما سيلحق أضرارًا اقتصادية كبيرة بفرنسا.
ورغم ذلك، تستبعد الصحيفة الفرنسية أن تتخذ الجزائر إجراءات ضد شركات الطاقة الفرنسية مثل TotalEnergies وEngie، تجنبًا لإثارة قلق المستثمرين. لكنها قد تفرض قيودًا على مشاركة فرنسا في بعض المناقصات، ما قد يؤثر على الشركات الفرنسية المتخصصة في الصناعات الكهربائية والميكانيكية.
رهانات اقتصادية وسياسية
حجم التبادل التجاري بين البلدين يعكس مدى تعقيد العلاقة؛ فقد بلغت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر 4.8 مليار يورو عام 2024، بزيادة 6.6%. لكن الجزائر قد تلجأ إلى استخدام الاقتصاد كورقة ضغط عبر إعادة النظر في الاستثمارات الفرنسية لديها، خاصة إذا استمرت باريس في تصعيدها.
في الوقت ذاته، يزداد الجدل داخل فرنسا حول اتفاقيات 1968 التي تنظم إقامة الجزائريين على أراضيها، إذ بدأ نقاش داخل الحكومة حول إمكانية تعديلها أو حتى إلغائها. وبينما يدفع وزير الداخلية نحو هذا الخيار، يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون التهدئة، مفضلًا عدم اتخاذ قرارات قد تؤثر سلبًا على العلاقات بين البلدين.
مستقبل العلاقات: نحو تصعيد أم تهدئة؟
الاستراتيجية الفرنسية في إدارة الأزمة تعتمد على سياسة “الشرطي الجيد والشرطي السيئ”، حيث يسعى ماكرون للحفاظ على قنوات الحوار، بينما يتبنى وزير داخليته نهجًا أكثر تشددًا. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات واضحة على تهدئة قريبة، خاصة في ظل التوترات المتزايدة والضغوط السياسية الداخلية في كلا البلدين.
وبينما تلوح في الأفق احتمالات تصعيد إضافي، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التصعيد؟ وهل تستطيع باريس والجزائر احتواء الخلاف قبل أن يتحول إلى أزمة دبلوماسية مفتوحة؟