التصعيد في غزة واليمن: استراتيجية الضغط القصوى تعود بقوة

سومية العلكي

جاءت الضربات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة مباشرة بعد الهجمات الأميركية العنيفة التي استهدفت مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، في مشهد يعكس وحدة الأجندة السياسية والعسكرية بين واشنطن وتل أبيب. ويرى مراقبون أن هذا التصعيد يندرج ضمن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية إلى فرض أقصى الضغوط على إيران وحلفائها في المنطقة، وهي سياسة يبدو أنها عادت بقوة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

ضربات منسقة ورسائل واضحة

استهدفت الضربات الأخيرة حركة حماس في غزة والحوثيين في اليمن، لكن الأنظار تتجه إلى إيران وميليشياتها في العراق وسوريا، التي حاولت دعم حماس عبر إطلاق صواريخ متفرقة، واستهداف قواعد أميركية. وأكدت إسرائيل أن هجومها الأخير على غزة تم بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية، حيث وجه ترامب رسائل مباشرة لحماس، محذرًا من “فتح أبواب الجحيم” عليها إن لم تطلق سراح الرهائن دفعة واحدة.

التنسيق بين تل أبيب وواشنطن في هذه العمليات العسكرية ليس جديدًا، لكنه هذه المرة يتجاوز مجرد الدعم العسكري إلى فرض معادلة سياسية جديدة في المنطقة. وبحسب المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر، فإن “استئناف القتال في غزة جاء بدعم كامل من واشنطن”، وهي إشارة واضحة إلى أن المرحلة الحالية تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال العمل العسكري المكثف.

إلغاء التفاوض وتجاوز الوسطاء

يمثل الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة إعلانًا فعليًا عن وقف مسار التفاوض مع حماس، متجاوزًا دور الوسطاء الإقليميين، خاصة مصر وقطر. كما أن تل أبيب، بدعم أميركي، اختارت أن تخاطب حماس بلغة القوة بدلًا من الحوار، في محاولة لإجبارها على تقديم تنازلات دون مقابل.

ويبدو أن إسرائيل تراهن على إثارة السخط الشعبي داخل غزة ضد حماس، من خلال تكثيف القصف واستهداف البنية التحتية، لتوجيه رسالة مفادها أن خيارات الحركة ضيّقت على نفسها وأن التعنت في ملف الرهائن لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار. في المقابل، وجدت حماس نفسها في موقف حرج، حيث لم تتمكن حتى الآن من الرد عسكريًا، كما أن خياراتها باتت محدودة في ظل القصف الجوي المكثف وغياب المواجهة البرية التي قد تتيح لها تسجيل نقاط عسكرية وإعلامية.

يجد الإسرائيليون في إدارة ترامب حليفًا أكثر وضوحًا في دعمه غير المشروط، ما يمنحهم حرية أكبر في تنفيذ عمليات عسكرية واسعة دون الخشية من ضغوط أميركية كما كان الحال في عهد بايدن. هذا الدعم لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مساعدة الحكومة الإسرائيلية على توحيد صفوفها داخليًا، في ظل الانقسامات الحادة التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع الأزمة.

وفي الوقت نفسه، يجد داعمو حماس، سواء كانوا وسطاء إقليميين أو أطرافًا أخرى، صعوبة في إقناع البيت الأبيض بالضغط على إسرائيل لوقف الهجوم، خصوصًا في ظل تراجع الحراك العربي والدولي تجاه القضية الفلسطينية مقارنة بما كان عليه الوضع خلال إدارة بايدن.

انعكاسات محتملة على إيران وحلفائها

يُنظر إلى التصعيد الإسرائيلي الأميركي في غزة واليمن على أنه رسالة مباشرة لإيران وحلفائها، خاصة بعد الضربات التي استهدفت حماس والحوثيين. ويرى محللون أن طهران باتت في موقف أكثر حرجًا، خصوصًا بعد استئناف واشنطن سياسة “الضغوط القصوى”، وإعادة فرض العقوبات التي كانت قد رُفعت جزئيًا خلال عهد بايدن.

كما أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران باتت أكثر عرضة للخطر، حيث تبدو مكشوفة أمام الضربات الأميركية والإسرائيلية، على عكس الحوثيين الذين يستفيدون من التضاريس الوعرة لحماية مواقعهم. وفي ظل الحديث عن احتمالية استهداف منشآت حساسة داخل إيران نفسها، يبدو أن القيادة الإيرانية باتت تدرك أن التعامل مع إدارة ترامب يختلف كليًا عن التعامل مع الإدارة السابقة.

في ظل الأوضاع الحالية، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد، حيث لم تعد المواجهة محصورة بين إسرائيل وحماس، بل باتت تشمل أطرافًا أخرى مرتبطة بالمحور الإيراني. ومع استمرار الضربات الجوية وعدم وجود مؤشرات على تهدئة قريبة، فإن السيناريوهات القادمة قد تشمل توسيع نطاق العمليات العسكرية، سواء في العراق أو حتى داخل الأراضي الإيرانية نفسها.

المعادلة الإقليمية تشهد إعادة تشكيل، مع تصاعد نفوذ إسرائيل واستعادتها القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة دون قيود سياسية، مدعومة بإدارة أميركية تمنحها الغطاء الكامل. وبينما تسعى إيران وحلفاؤها لإيجاد طرق للرد، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرتهم على تغيير موازين القوى في ظل هذا الواقع الجديد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: