الموز في الجزائر: من فاكهة استهلاكية إلى أزمة سياسية

حنان الفاتحي

تحولت فاكهة الموز في الجزائر خلال شهر رمضان إلى أكثر من مجرد سلعة غذائية، لتصبح رمزًا للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد. فقد ارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد في العاصمة الجزائرية إلى 850 دينارًا جزائريًا (حوالي 5.85 يورو)، ما أثار استياءً واسعًا بين المواطنين. وكعادته، لم يتأخر النظام الحاكم في البحث عن شماعة لتعليق هذا الإخفاق عليها، ملقيًا اللوم على “المضاربين”، بدلاً من الاعتراف بأن قراراته السياسية والاقتصادية المتخبطة هي السبب الرئيسي وراء هذه الأزمة.

المضاربة أم سوء الإدارة؟

لم يجد النظام العسكري بدًّا من تقديم “أكباش فداء” للتغطية على تداعيات الأزمة، فبدأ حملة إعلامية مكثفة لتصوير المضاربين على أنهم المتسببون في ارتفاع الأسعار. وقد تُوّجت هذه الحملة بحكم قضائي مثير للجدل أصدرته محكمة السانية بوهران، يقضي بسجن تاجر لمدة 15 عامًا بعد ضبط 3718 كيلوغرامًا من الموز بحوزته، في مشهد وُصف بالسريالي وكأن الأمر يتعلق بجريمة خطيرة وليس بمسألة تجارية.

غير أن هذا القرار لم يُقنع الجزائريين، بل أثار موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى كثيرون أن من يجب محاسبته هو المسؤول عن الأزمة، وليس التجار الذين يحاولون التأقلم مع قرارات اقتصادية غير واضحة.

حكومة عاجزة وحلول هزلية

لم يكن وزير التجارة الطيب زيتوني بعيدًا عن دائرة الجدل، إذ بدا عاجزًا عن تقديم حلول حقيقية للأزمة، مكتفيًا بدعوة المواطنين إلى مقاطعة شراء الموز، وكأن هذه الفاكهة الفاخرة أصبحت “كافيارًا أصفر” يُثقل كاهل الأسر الجزائرية. هذه الدعوة زادت من حدة الانتقادات، حيث اعتبرها الجزائريون محاولة أخرى للهروب من المسؤولية بدل البحث عن حلول عملية.

في جوهر الأزمة، لا يمكن فصل ارتفاع أسعار الموز عن القرارات السياسية التي اتخذها النظام، والتي أثرت بشكل مباشر على واردات الفاكهة. فمن المعروف أن الجزائر تعتمد بشكل أساسي على الإكوادور كمصدر رئيسي للموز، لكن الأزمة اندلعت بعد قرار الإكوادور سحب اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”، وهو ما دفع الجزائر إلى فرض قيود على واردات الموز منها، ما أدى إلى اضطراب في الإمدادات وارتفاع الأسعار.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت وزارة التجارة الخارجية عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد 53 مستورداً بدعوى “الإخلال بالتزاماتهم تجاه الدولة”، في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة أخرى لصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية للأزمة.

الموز كرمز للفشل السياسي

أزمة الموز ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل تعكس بوضوح كيف تؤثر الحسابات السياسية الضيقة على حياة المواطنين اليومية. فبدلاً من البحث عن حلول واقعية لمشكلة ارتفاع الأسعار، لجأ النظام إلى الخطابات الإعلامية و”المسرحيات القانونية” التي لم تفلح في تهدئة الشارع.

وهكذا، تحولت قضية الموز إلى صورة مصغرة لنهج سياسي يعتمد على التبرير والبحث عن أعداء وهميين، بدلًا من مواجهة المشكلات الحقيقية بجرأة ومسؤولية. وربما لن يمر وقت طويل قبل أن نسمع نظريات جديدة عن “مؤامرة دولية لإغراق الجزائر في أزمة موز”، في استمرار لنهج الهروب إلى الأمام الذي أصبح السمة الأبرز لسياسات النظام الحالي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: