في تحول استراتيجي لافت، يسعى السفير الجزائري في الولايات المتحدة، صبري بوقادوم، إلى تعزيز التعاون العسكري مع واشنطن، متكئًا على عقود تسليح واعدة، في محاولة لتجنب العقوبات وإعادة تحديد موقع الجزائر في منطقة الساحل. لكن هذه المناورة ليست سهلة، فموسكو، المزود الرئيسي للجزائر بالسلاح لعقود، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما قد تراه خيانة لمصالحها.
رهان على واشنطن في مواجهة الضغوط
نجحت الجزائر في فتح قنوات جديدة مع الولايات المتحدة، مستفيدة من مذكرة التفاهم العسكري التي وُقعت في 22 يناير بين قائد “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي، ورئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة. وأوضح بوقادوم، خلال مقابلة مع DefenseScoop في 7 مارس، أن الجزائر مستعدة لـ “تحول غير مسبوق” في استراتيجيتها العسكرية، والانتقال التدريجي من الاعتماد شبه الكامل على السلاح الروسي إلى منظومة التسلح الأمريكية.
وكشف السفير الجزائري عن تشكيل ثلاث مجموعات عمل بين البلدين لمتابعة تنفيذ مذكرة التفاهم، مشيرًا إلى أن التعاون قد يشمل مجالات حساسة مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية، وعمليات البحث والإنقاذ، والتصدي للإرهاب في منطقة الساحل، بالإضافة إلى اقتناء الجزائر لأنظمة تسليح أمريكية.
محاولات استمالة إدارة أمريكية متحفظة
تهدف هذه الخطوة إلى كسب ود الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم تبدِ حتى الآن موقفًا إيجابيًا تجاه النظام الجزائري، خاصة مع تصاعد الانتقادات في واشنطن بشأن علاقات الجزائر العسكرية مع موسكو. ففي عام 2022، دعا السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب استمرارها في شراء الأسلحة الروسية، مستندًا إلى قانون “مواجهة خصوم أمريكا عبر العقوبات” (CAATSA)، والذي يتيح معاقبة الجهات التي تتعاون مع قطاع الدفاع الروسي.
كما طالب 27 نائبًا أمريكيًا، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بفرض عقوبات على الجزائر، مشيرين إلى أنها أنفقت 7 مليارات دولار على الأسلحة الروسية في عام 2022 وحده، وهو ما اعتُبر دعمًا غير مباشر لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
شراء الأسلحة الأمريكية: مناورة لتفادي العقوبات؟
يرى محللون أن الجزائر تسعى إلى تحقيق توازن استراتيجي بين واشنطن وموسكو، وأن التوجه نحو التسلح الأمريكي قد يكون محاولة لامتصاص الضغوط الأمريكية وتجنب فرض عقوبات عليها. وفي هذا السياق، يوضح الخبير الأمني عبد الحق بصّو:
“من خلال هذا التحول، تحاول الجزائر أن تظهر كشريك موثوق للولايات المتحدة، دون أن تقطع علاقتها بروسيا. لكنها في الوقت نفسه تدرك أن الابتعاد عن موسكو سيكون محفوفًا بالمخاطر، نظرًا للترابط الوثيق بين جيشها والصناعة العسكرية الروسية.”
من خلال تعزيز شراكتها العسكرية مع واشنطن، تسعى الجزائر إلى استعادة نفوذها في منطقة الساحل، بعد أن فقدت العديد من مواقعها لصالح قوى أخرى. كما أن التعديل الدستوري الجزائري الأخير، الذي سمح للجيش بتنفيذ عمليات خارج الحدود، يعكس رغبة النظام في لعب دور أكبر في مالي والدول المجاورة.
يقول المحلل السياسي محمد لوليشكي:
“الجزائر تحاول الاستفادة من علاقتها الجديدة بواشنطن لتقديم نفسها كلاعب رئيسي في أمن الساحل. لكن السؤال هو: هل ستسمح لها واشنطن بذلك؟ خاصة أن الولايات المتحدة ترى المغرب كحليفها العسكري الأول في المنطقة.”
الانتقال من المنظومة العسكرية الروسية إلى الأمريكية ليس بالأمر السهل. فالتسلح لا يقتصر على شراء المعدات، بل يشمل التدريب والصيانة والتشغيل المتكامل. ويستشهد لوليشكي بتجربة المغرب، الذي احتاج إلى خمس سنوات من التدريب المكثف لتمكين طياريه من تشغيل مروحيات الأباتشي الأمريكية الحديثة.
ويضيف:
“أي تغيير جذري في مصدر التسلح يتطلب إعادة هيكلة العقيدة العسكرية، وهو أمر يستغرق سنوات. الجيش الجزائري يعتمد منذ عقود على المدرسة السوفييتية التي تركز على الكم العددي، لكن التطورات الأخيرة في أوكرانيا أثبتت أن التكنولوجيا والتكتيكات الحديثة أكثر أهمية من الأعداد.”
موسكو لن تسامح: هل بدأت الانتقام؟
إذا كان الرهان الجزائري على واشنطن يحمل مكاسب محتملة، فإنه يأتي بثمن باهظ. فروسيا، التي تعتبر الجزائر أحد أبرز زبائنها العسكريين، لن تتقبل بسهولة فقدان هذا السوق الاستراتيجي.
وفي مؤشر على تدهور العلاقات، يرى البعض أن الضربة الصاروخية الروسية على ميناء أوديسا الأوكراني، يوم 11 مارس، والتي أغرقت شحنة قمح موجهة إلى الجزائر، قد تكون رسالة تحذير غير مباشرة من موسكو.
كما أن العلاقات الثنائية قد تشهد مزيدًا من التوتر، خاصة إذا قررت الجزائر التوسع في مشترياتها من الأسلحة الأمريكية. ففي نظر موسكو، فإن أي تحول جزائري نحو واشنطن سيكون بمثابة خروج عن “المعسكر التقليدي”، وهو ما قد يدفعها إلى اتخاذ إجراءات انتقامية، سواء عبر تقييد صادرات الأسلحة، أو حتى تقليص التعاون في مجالات أخرى.
يبدو أن الجزائر تحاول السير على حبل مشدود بين القوتين العظميين، مستفيدة من التنافس الجيوسياسي بينهما لتعزيز موقعها الإقليمي. لكنها في المقابل تخاطر بفقدان دعم حليفها التقليدي، روسيا، دون أن تضمن تمامًا احتضانًا أمريكيًا كاملًا.
وبينما تسعى واشنطن إلى تحجيم النفوذ الروسي، فإن دعمها للجزائر لن يكون بلا ثمن، خاصة في ظل علاقتها الاستراتيجية مع المغرب، الذي يظل الحليف العسكري الأول للولايات المتحدة في شمال إفريقيا.
فهل تستطيع الجزائر تحقيق التوازن بين القوتين، أم أنها ستجد نفسها في مواجهة خسائر أكبر من المكاسب؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.