اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة: إعادة التفاوض وفق المصالح الاقتصادية المشتركة
فاطمة الزهراء مجدي
تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة التفاوض بشأن عدد من الاتفاقيات التجارية في إطار رؤيتها لحماية المصالح الأميركية وتقليص العجز التجاري، ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية التبادل الحر مع المغرب. ووفقًا لصحيفة أفريكا إنتيلجنس، فإن إدارة ترامب تهدف إلى تعديل الاتفاقية لتعزيز الصادرات الأميركية إلى المغرب وفتح مزيد من الفرص الاستثمارية أمام الشركات الأميركية في السوق المغربي.
بدوره، أبدى المغرب، باعتباره البلد الأفريقي الوحيد الذي تجمعه اتفاقية تبادل حر مع الولايات المتحدة، اهتمامه بإجراء تعديلات على الاتفاقية بما يتماشى مع توجهاته الاقتصادية الهادفة إلى تنويع الشركاء التجاريين والاندماج في الأسواق العالمية وتقليل الاعتماد على أوروبا. وقد أكد وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور خلال كلمته في الحفل السنوي للغرفة التجارية الأميركية بالدار البيضاء في أكتوبر الماضي، على ضرورة مراجعة الاتفاقية لتحقيق توازن أكثر عدالة في المبادلات التجارية والحد من العجز التجاري مع الولايات المتحدة.
وخلال الدورة الثامنة للجنة المشتركة المكلفة بتتبع الاتفاقية في يوليو الماضي، أعربت الرباط عن رغبتها في الاستفادة بشكل أكبر من الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بتعزيز صادراتها الزراعية نحو الأسواق الأميركية، على الرغم من أن التبادل التجاري بين البلدين تضاعف بمعدل يتراوح بين 2.5 و3 مرات خلال العقدين الماضيين، إلا أن حجم الواردات المغربية من الولايات المتحدة لا يزال يفوق الصادرات بشكل كبير.
وقد دخلت الاتفاقية، التي وُقّعت في واشنطن في 15 يونيو 2004، حيز التنفيذ في يناير 2006، وتهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية تدريجيًا، وتشمل مجالات متعددة مثل المنتجات الزراعية والصناعية والخدمات، بالإضافة إلى قضايا العمل، البيئة، المشتريات الحكومية، وحقوق الملكية الفكرية.
من جانبه، يرى محمد لكريني، أستاذ القانون الدولي، أن الحديث المتجدد عن الاتفاقية يعكس متانة العلاقات بين البلدين وشراكتهما في العديد من القضايا الاقتصادية والأمنية، مشيرًا إلى أن العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة تظل غير متكافئة نظرًا للقوة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لأميركا. وأضاف أن التعديلات المحتملة تتماشى مع أجندة ترامب الاقتصادية، حيث تسعى واشنطن إلى تعزيز استثماراتها وإدراج نقاط جديدة في الاتفاق دون المساس بجوهره، مع الأخذ في الاعتبار الاعتراف الأميركي السابق بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
ويرى لكريني أن اختيار سفير أميركي بخلفية استثمارية يعكس نية واشنطن في تعزيز حضورها الاقتصادي في الصحراء المغربية، مما قد يشمل مشاريع تنموية واستثمارات في المنطقة، إضافة إلى استخدام المغرب كقاعدة لتعزيز الاستثمارات الأميركية في أفريقيا.
ورغم أن المغرب يتمتع بإعفاءات جمركية لدخول السوق الأميركية، إلا أن بعض القيود، مثل قواعد المنشأ، تجعل من الصعب تحقيق استفادة كاملة، إذ تتطلب المنتجات المغربية المستفيدة من الاتفاق استثمارات ضخمة لضمان الامتثال للمعايير الأميركية، وهو ما يشكل تحديًا للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفي تقرير حديث، أوصى معهد واشنطن بأن تستخدم الولايات المتحدة التجارة لدعم النمو الاقتصادي في المغرب عبر التركيز على الصناعات التحويلية الخفيفة، التي قد توفر فرص عمل جديدة، خاصة للنساء، بالإضافة إلى تعزيز التعاون من خلال مؤسسة تمويل التنمية الدولية لدعم الاستثمارات والإصلاحات الاقتصادية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب والولايات المتحدة قد تشكل فرصة لتطوير قطاعات استراتيجية مثل صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، حيث يمكن للمغرب أن يجذب مستثمرين دوليين للاستفادة من إمكانية التصدير إلى السوق الأميركية، خاصة في ظل قانون خفض التضخم الأميركي لعام 2022، الذي يشجع على تمويل الصناعات منخفضة الكربون.
وفي إطار توجه الإدارة الأميركية نحو “الدبلوماسية الاقتصادية”، جاء تعيين رجل الأعمال والمستثمر ديوك بوكان الثالث سفيرًا جديدًا للولايات المتحدة في الرباط، في خطوة تعكس اهتمام واشنطن بتعزيز استثماراتها في الصحراء المغربية، وهو ما قد يفتح المجال أمام إعادة النظر في فتح قنصلية أميركية في مدينة الداخلة، تأكيدًا على التوجه الاستراتيجي لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.