مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في المغرب: بين تقييد التقاضي وحماية المؤسسات

يوسف لفرج

أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في المغرب، الذي يتضمن قيودًا على حق الجمعيات في التقاضي في ملفات الفساد والمال العام، نقاشًا حادًا وجدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والحقوقية. فقد دافع وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن هذا التوجه، معتبرًا أن بعض الجمعيات تروج لمغالطات، واشترط حصولها على إذن من السلطات وفق ضوابط محددة. إلا أن هذه الخطوة لاقت انتقادات قوية داخل البرلمان وخارجه، حيث تباينت الآراء بين من يراها وسيلة لحماية المؤسسات من حملات التشهير، ومن يعتبرها تضييقًا على حرية التقاضي والمساءلة.

في مداخلته أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أكد عبد اللطيف وهبي أن ملف المال العام يشهد الكثير من المغالطات، وأن الدولة وحدها مسؤولة عن مراقبة إنفاق الأموال العمومية عبر البرلمان ولجان التفتيش المختصة. وشدد على أن المغرب ليس “مالًا سائبًا” ليتمكن أي طرف من تنصيب نفسه كمدافع عن المال العام، محذرًا من أن بعض الممارسات جعلت العمل السياسي عرضة للتشهير والاستهداف الممنهج.

غير أن هذا الطرح قوبل بمعارضة قوية من عدد من البرلمانيين والجمعيات الحقوقية، حيث اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن هذا التعديل يهدف إلى تكبيل أيدي المجتمع المدني ومنعه من التبليغ عن الفساد. وأضاف أن أخطر ما يحمله مشروع القانون ليس فقط منع الجمعيات من رفع الدعاوى، بل أيضًا منع النيابة العامة من تحريك الأبحاث القضائية في قضايا الفساد تلقائيًا، ما قد يشكل، برأيه، تراجعًا خطيرًا عن مبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

ينص مشروع القانون، في مادته السابعة، على أن حق رفع الدعوى المدنية يقتصر على الأفراد المتضررين شخصيًا، مع استثناء الجمعيات ذات المنفعة العامة، والتي سيتعين عليها الحصول على إذن خاص من وزارة العدل. هذا الإجراء، الذي يراه وزير العدل ضروريًا لضبط الممارسة القانونية، اعتبره نواب البرلمان امتدادًا للمادة الثالثة من القانون، التي تحد من قدرة الجمعيات على تقديم الشكاوى في قضايا المال العام.

وقد انتقد البرلماني عبد الله بووانو هذه التعديلات، معتبرًا أنها تحرم المجتمع المدني من دوره الرقابي، وتمنح امتيازات إضافية لرؤساء الجماعات الترابية، رغم وجود حالات موثقة من الفساد داخل هذه الجماعات. وأضاف بووانو أن هناك بالفعل بعض الجمعيات التي قد يكون لها دوافع غير نزيهة، لكن ذلك لا يبرر حرمان الجمعيات الجادة من حقها في الدفاع عن المال العام.

في محاولة لتبرير موقفه، استشهد وهبي بالتجارب المقارنة، مشيرًا إلى أن فرنسا، على سبيل المثال، تفرض قيودًا مماثلة، حيث يتم منح الإذن للجمعيات من قبل وزير العدل وفق معايير معينة. وأكد أن لا مشكلة لديه مع الجمعيات الحقوقية التي تهتم بقضايا مثل حقوق النساء أو الأطفال، لكن تحفظه الأساسي ينصب على الجمعيات التي تنصّب نفسها كمدافعة عن المال العام ومحاربة الفساد، مشددًا على أن مراقبة الإنفاق العمومي يجب أن تظل مسؤولية الدولة ومؤسساتها.

في ظل هذا الجدل، يبدو أن مشروع القانون سيواجه معركة قانونية وسياسية قوية قبل اعتماده، حيث تصر الجمعيات الحقوقية على أن التقييدات المقترحة تتعارض مع الدستور المغربي، الذي ينص على دور المجتمع المدني في الرقابة والتقييم. من جهة أخرى، ترى الحكومة أن هذه التعديلات ضرورية لحماية المؤسسات المنتخبة من الاستهداف غير المشروع وضبط الممارسة القانونية.

ما بين الدفاع عن حماية المؤسسات الديمقراطية وضمان حرية التقاضي والمساءلة، يبقى السؤال المطروح: هل سيؤدي مشروع القانون إلى تقوية النظام القانوني، أم أنه سيشكل انتكاسة لمكافحة الفساد وحماية المال العام؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: