الدبلوماسية الدينية للمغرب: قوة ناعمة لتعزيز الحضور في أفريقيا

يعتمد المغرب استراتيجية دبلوماسية تمزج بين الدين والسياسة والاقتصاد، بهدف تعزيز حضوره في القارة الأفريقية، حيث يسعى إلى تحقيق التنمية والاستقرار ومواجهة خطابات التطرف. وتشكل الدبلوماسية الدينية أحد أبرز أدواته الناعمة، خاصة خلال شهر رمضان، حيث يكثف جهوده في تأهيل الأئمة الأفارقة، وبناء المساجد، واستضافة العلماء، في إطار نهج يعزز الروابط الروحية بين الرباط والدول الأفريقية.

منذ سنوات، أطلق المغرب عدة مبادرات لتعزيز التعاون الديني مع أفريقيا، من بينها معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذي استقطب مئات الطلبة الأفارقة لتلقي تكوين يجمع بين العلوم الشرعية والإنسانية، ويرسّخ مبادئ الاعتدال والتسامح. ووفقًا لتقارير وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد تم خلال سنة 2023 تأهيل 389 إمامًا أفريقيًا، ضمن جهود المملكة لتعزيز خطاب ديني وسطي في القارة.

إلى جانب ذلك، أنشأ المغرب مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي تضم نخبة من علماء الدين من 32 دولة أفريقية، وتهدف إلى مواجهة الفكر المتطرف وتعزيز الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب وهذه الدول. وتقوم المؤسسة بتنظيم لقاءات علمية ودينية لمناقشة القضايا الفكرية والتحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في القارة السمراء.

ويرى إدريس قصوري، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المرجعية، أن الدبلوماسية الدينية للمغرب ليست مجرد مبادرة ظرفية، بل هي خيار استراتيجي يساهم في استقرار أفريقيا، مشيرًا إلى أن العامل الديني أصبح أولوية في إطار الإصلاحات السياسية بالمملكة. ويعتبر أن التأثير الديني المغربي يتجاوز البعد المحلي، ليشمل دولًا أفريقية عديدة، ما يجعله عنصرًا مهمًا في التعاون جنوب – جنوب.

ومن أبرز ملامح الدبلوماسية الدينية المغربية، الدروس الحسنية الرمضانية، التي تحولت إلى تقليد سنوي يستضيف علماء من مختلف المذاهب والتوجهات الفكرية، ما يعكس انفتاح المغرب على التنوع الديني. هذه الدروس، التي تعقد بحضور الملك محمد السادس، تعدّ نافذة لتعزيز الحوار الديني وتبادل الرؤى بين العلماء والمفكرين.

على المستوى العملي، تواصل المملكة استثماراتها في البنية التحتية الدينية بأفريقيا، حيث أطلقت مشاريع كبرى مثل بناء مسجد محمد السادس في تشاد بتكلفة 19 مليون درهم، وإنشاء مركز ثقافي إسلامي بالعاصمة نجامينا بميزانية 88 مليون درهم. كما تسهم في ترميم وبناء المساجد في دول أخرى مثل موريتانيا.

ويؤكد قصوري أن القوة الناعمة الدينية تمتاز بالمتانة والاستدامة، وتأثيرها أعمق من المجالات الأخرى، خاصة في مواجهة الإرهاب والتطرف، حيث يعزز المغرب مكانته كشريك رئيسي في محاربة هذه الظواهر عبر نشر قيم الاعتدال. كما دعا إلى توسيع التعاون الديني مع أفريقيا، عبر إنشاء جامعات مغربية في القارة، وتعزيز تبادل الطلاب بين المؤسسات الدينية والجامعات المغربية ونظيراتها الأفريقية.

في ظل هذه الجهود، يظهر المغرب كفاعل أساسي في المشهد الديني الأفريقي، مستثمرًا تراثه الروحي العريق في بناء علاقات قوية مع دول القارة، ما يجعل الدبلوماسية الدينية رافعة أساسية في تعزيز حضوره وتأثيره الإقليمي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: