يواصل المغرب تعزيز منظومته الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تكثيف آليات الرقابة والتوعية التي تصدرها المحاكم في هذا الشأن وفقاً للتقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة الذي أكد تحقيق المملكة رقماً قياسياً في عدد الأحكام الصادرة في هذا المجال، حيث تم إصدار 134 حكماً خلال عام واحد.
ووضعت رئاسة النيابة العامة غسيل الأموال ضمن أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، إدراكا منها “لخطورة هذا النوع من الجرائم وعواقبها الكارثية اجتماعيا واقتصاديا، حسب التقرير الذي يتضمن نهجا شاملا لا يهدف فقط إلى مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم، بل أيضا إلى “منعهم من الاستفادة من ثمار جرائمهم وحماية الاقتصاد الوطني من التداعيات الخطيرة لهذه الأموال غير المشروعة.”
وترى النيابة العامة في المغرب أن طبيعة جريمة غسيل الأموال، التي تتميز بـ”محاولة إخفاء المصدر غير المشروع للأموال المتأتية من الجريمة،” تجعلها تحديًا خاصًا يتطلب وسائل تحقيق محددة وتنسيقًا معززًا بين المؤسسات، كما تحدد الوثيقة التي تسلط الضوء على الآليات المؤسسية المختلفة والشراكات الإستراتيجية الموقعة لهذا الغرض.
وفي العام 2023، وصل المغرب مرحلة حاسمة في حربه ضد غسيل الأموال، كما أكد التقرير السنوي السابع لرئاسة النيابة العامة، أن الجهود المبذولة مكنت المملكة من الخروج من “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالي (FATF)، وهو اعتراف دولي بفاعلية نظامها لمكافحة غسيل الأموال، كما يمثل تتويجا للجهود التي حشدتها مختلف القطاعات المعنية، مشيرا إلى أن هذا القرار اتخذ “خلال الاجتماع العام لمجموعة العمل المالي الذي عقد في باريس من 20 إلى 24 فبراير 2023،” بعد أن سجل خبراء المنظمة “الإنجازات التي تحققت والتي تؤكد ملاءمة نظامنا الوطني للمعايير الدولية.”
وتعتبر شراكة بنك المغرب والنيابة العامة أحد ركائز النجاعة المغربية في مكافحة غسيل الأموال، منذ العام 2022، تسمح “للنيابة العامة بإرسال طلبات الحصول على المعلومات عبر نظام كمبيوتري مخصص، وتوفير بيانات دقيقة في إطار زمني سريع، حيث أرسل المدعون العامون المتخصصون في قضايا غسيل الأموال 341 طلبًا، تلقت جميعها ردودًا دقيقة، سهل إمكانية إجراء التحقيقات في فترات زمنية معقولة،” كما جاء في التقرير.
وأصدر بنك المغرب، بشراكة مع مؤسسات وطنية متخصصة، النسخة الأولى من دليل شامل يهدف إلى رفع وعي الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات المالية بمخاطر هذه الجرائم وانعكاساتها على استقرار الاقتصاد الوطني، كاشفا عن الإجراءات القانونية والعقوبات الزجرية المتعلقة بالمخالفات والجنح والجنايات برسم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الجريمتين الماليتين الخطيرتين، واللتين يؤدي عدم الانضباط للمعايير الدولية بخصوصهما إلى تعسير شروط الوصول إلى القروض والتمويل الدولي والتعامل مع المؤسسات الدولية.
الحكومة المغربية ترى أن المنظومة الدولية لمكافحة غسيل الأموال تتجدد نظرا لطبيعة الجريمة وخصوصية مرتكبيها وتعدد المتدخلين فيها
وأكدت شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية في تصريح لـه أن “مكافحة غسيل الأموال لها أهمية كبيرة جدا من حيث أنها تجعل من تعقب ومصادرة الأموال غير المشروعة أمرا يسيرا، بالإضافة إلى أنه سيعمل على ملاءمة التشريعات المغربية بنظيرتها الدولية في هذا المجال نظرا إلى التزامات المغرب الدولية، وضمان شفافية الاستثمارات المغربية لخلق الثروة والفرص الاقتصادية.”
وترى الحكومة المغربية أن المنظومة الدولية لمكافحة غسيل الأموال تتجدد نظرا لطبيعة الجريمة وخصوصية مرتكبيها وتعدد المتدخلين فيها، لاسيما أمام تطور وسائل ارتكابها، وهو ما يفرض على التشريعات الوطنية مسايرة هذه التطورات من خلال تحيين ترسانتها القانونية وفق المعايير الدولية أمام إكراهات المراقبة الدولية وتداعياتها على النظام الوطني والاقتصادي.
وأكد رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، على “المخاطر التي يطرحها غسيل الأموال أمام التنمية الاقتصادية، حيث يشجع على تنامي القطاع غير المهيكل، ولهذا مجموعة من المشاريع تكون مشبوهة وتشوبها خروقات مرتبطة بهذه العملية، كما أن مجموعة من التجار ينشئون شركات وهمية لغسيل الأموال، خصوصا تجار الممنوعات والتهريب، حتى تبقى ممارساتهم المُجرّمة في نطاق الظل.”
وشدد على “أهمية ما تقوم به مؤسسات الدولة في مواصلة محاصرة الظاهرة خصوصا أننا خرجنا من اللائحة الرمادية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، يعزز تراكما مهما فيما حققته الدولة في مجال محاربة الأموال المشبوهة، إذ أن هناك مسارا ضروريا علينا أن نواصله.”
وكشفت وزارة الداخلية أن المصالح التابعة لها نظمت، خلال الفترة الممتدة من أبريل إلى سبتمبر 2024، بتنسيق مع مصالح وزارة الاقتصاد والمالية والمديرية العامة للأمن الوطني ومكتب الصرف، سبع مهام مراقبة ميدانية لتقييم الخدمات التي يقدمها هذا القطاع وقياس إمكانية استخدامه في عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مع تحديد المخاطر ذات الصلة.