الجزائر: تبون يستورد مليون أضحية.. «زكارة» في المغرب أم تضحية بالاقتصاد؟

م. الشلح

لا حديث في الجزائر اليوم سوى عن القرار «الحكيم» للرئيس عبد المجيد تبون، الذي أمر باستيراد مليون رأس من الأضاحي تحسبا لعيد الأضحى. القرار الذي جاء كـ«مفاجأة» للمواطنين، لم يكن وليد رؤية اقتصادية أو تدبير حكيم، بل مجرد نكاية في الجارة المغرب التي قررت إلغاء ذبح الأضاحي هذا العام بسبب نقص القطيع الوطني. هكذا، وكعادته، قرر النظام الجزائري أن يخوض حرب «الأكباش» بدلا من مواجهة الأزمات الحقيقية التي تعصف بالبلاد!

من المفارقات العجيبة أن الجزائر، التي يتغنى رئيسها وإعلامها الرسمي بأنها «قوة زراعية عظمى»، لم تستطع توفير حاجيات مواطنيها من الأضاحي من الإنتاج المحلي، واضطرت مجددا إلى الاستيراد. وكأن البلاد تحولت إلى «مكتب استيراد» بدلا من أن تكون بلدا يعتمد على موارده الطبيعية الهائلة.

«زكارة في الجيران».. شعار المرحلة!

لم يتأخر الجزائريون في التعبير عن سخريتهم من قرار تبون «الحكيم»، حيث عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات اللاذعة. كتب مواطن يدعى عمر دابو تعليقا على الصفحة الفيسبوكية لصحيفة «الجزائر24» يقول فيه: «حسيته دايرها زكارة في الجيران»، أي أن قرار تبون إنما هو عناد ضد الجارة المملكة المغربية التي قررت إلغاء ذبح الأضاحي هذا العام بسبب نقص القطيع الوطني.

ورد عليه مواطن آخر يدعى حاتم بن دريس قائلا: «زكارة في المروك، سبق أن أعلن (تبون) قبل شهر أن الجزائر لن تستورد»، في حين تساءل مواطن آخر قائلا: «بلد بحجم قارة، فيه أربع فصول، والبحر، والغابة، والصحراء، ومع ذلك يستورد الكباش؟».

أما المعارض الجزائري وليد كبير، فذكّر الجميع بتصريح تبون في نونبر الماضي، عندما قال إن الجزائر لن تستورد المواشي، وها هو اليوم يعكس قراره تماما بمجرد أن المغرب اتخذ قرارا مختلفا. «لو لم يدعُ ملك المغرب إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام، ما كان تبون ليتخذ قراره اليوم!»، هكذا كتب وليد كبير، ملخصا عبثية المشهد.

وتساءل أحد الجزائريين ساخرا على فيسبوك: «بلد فيه أربعة فصول، والبحر، والغابة، والصحراء، ثم نحتاج لاستيراد الأكباش؟ نورمالمو الجزائر تصدر وليس تستورد!».

لكن الطريف في الأمر أن العديد من الجزائريين وجهوا طلبا إلى المغرب داعين إياه إلى « منع استيراد السيارات »، وذلك لعل تبون يسارع إلى معاكسة القرار لتحل بذلك أزمة النقل في الجزائر، التي تولدت بسبب قرارات عشوائية اتخذها تبون.

التضحية بالملايين بدل الأضاحي

المفارقة الكبرى أن تبون كان قد صرح قبل أشهر بأن الجزائر لن تستورد المواشي أبدا، واعتبر الأمر « غير ممكن بسبب وجود خلل يجب تصحيحه »، لكنه اليوم يعلن، بدون أدنى إحراج، عن عزمه استيراد مليون رأس. وهكذا، تثبت الأيام مجددا أن وعود تبون هي مجرد عبارات تذروها رياح الاستيراد العشوائي.

وقد أصاب مواطن جزائري يلقب نفسه بـ«بشامين» حين كتب تعليقا على الصفحة الفيسبوكية لرئاسة الجمهورية يقول فيه: «وعود تبون لا تتحقق أبدا. ليته يسكت».!

إن الحقيقة التي لا يستطيع النظام إخفاءها، هي أن الجزائر تعاني من أزمة قطيع حقيقية، بسبب سنوات الجفاف وتراجع إنتاج الأعلاف، وهو ما جعلها تلجأ، للعام الثاني على التوالي، إلى استيراد الأكباش من رومانيا، في مشهد ينسف تماما كل الدعاية الرسمية حول «السيادة الغذائية» و«الاكتفاء الذاتي».

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها الجزائر، لم يجد النظام العسكري حلا سوى إهدار المزيد من أموال الدولة على استيراد المواشي، بدل استثمارها في تطوير قطاع الفلاحة وتنمية الإنتاج المحلي.

وقد أصابت مواطنة جزائرية تلقب نفسها بميرا، حين علقت قائلة: « لو أن الدولة استثمرت هذه الأموال في إنشاء مزارع تحت وصاية وزارة الفلاحة، لكان الإنتاج بالملايين… لكن الكهول لا يفكرون إلا بعقلية الكهول! ».

السياسة بديلا عن الاقتصاد

الفرق بين القرار المغربي والقرار الجزائري يكشف بوضوح كيف أن الأول قائم على رؤية تدبيرية، بينما الثاني محكوم بردود الأفعال. المغرب، رغم قدرته على الاستيراد، اختار التضحية بعيد الأضحى للحفاظ على قطيعه الوطني للأعوام المقبلة. أما الجزائر، التي تدّعي أنها « قوة اقتصادية »، فتتعامل مع الأمر بمنطق « العناد السياسي ».

ويبقى السؤال المطروح: متى يدرك تبون أن السياسة لا تُدار بالمزايدات، وأن الاقتصاد ليس ساحة للصراعات الشعبوية؟ لكن يبدو أن الجواب مؤجل إلى أجل غير مسمى، إلى أن يأتي يوم يمنع فيه المغرب استيراد شيء آخر، فيهرع تبون إلى معاكسته، ليبقى القرار السيادي في الجزائر رهينة لـ »زكارة في الجيران »!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: