مناورات عسكرية مشتركة بين المغرب وفرنسا: خلفيات رد الفعل الهستيري للجزائر
أبدى النظام الجزائري استياء صاخبا من المناورات العسكرية المشتركة بين المغرب وفرنسا «شرگي 2025»، واصفا إياها بالمستفزة، رغم أن الجزائر نفسها تكثف التدريبات العسكرية، سواء بشكل منفرد أو مع روسيا، على الحدود المغربية. تخفي هذه الضجة خلفها مناورة مدروسة تهدف إلى تحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية المتوترة مع باريس (بوعلام صنصال، الاعتقالات التعسفية، الأنشطة الاستخباراتية في فرنسا، قرارات الترحيل…) إلى مواجهة جيوسياسية متخيلة، لكنها أكثر شرفا.
يعيش النظام الجزائري حالة استنفار قصوى وسط موجة من السخط. والسبب هو المناورات العسكرية المشتركة المرتقبة بين المغرب وفرنسا في إطار العملية الدورية «شرگي»، التي ستقام في وسط شرق المملكة، تحديدا في مدينة الرشيدية. ورغم أن هذا الموعد مبرمج منذ فترة طويلة ومقرر إجراؤه في سبتمبر المقبل، إلا أن النظام الجزائري وجده الآن ذريعة للإدانة. من أعلى السلطات وردود أفعالها الرسمية إلى وسائل الإعلام الموالية للنظام، يتردد الخطاب نفسه في الجزائر.
يوم الخميس 6 مارس، استدعي السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتي، إلى وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية. وكان الهدف، بحسب بيان للخارجية الجزائرية، هو « لفت انتباه الدبلوماسي الفرنسي إلى خطورة مشروع المناورات العسكرية الفرنسية-المغربية ‘شرقي 2025′ ».
وفي غياب وزير الخارجية أحمد عطاف، تولى الأمين العام للوزارة، لوناس مقرمان، مهمة نقل « تحيات » النظام الجزائري إلى باريس. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي المرة الثالثة التي يُستدعى فيها الدبلوماسي الفرنسي في غضون ثلاثة أشهر.
في 27 يناير الماضي، استُدعي ستيفان روماتي أيضا من قبل كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية في الخارج، سفيان شعيب، لتلقي احتجاج الجزائر الشديد على « المعاملة التمييزية والمهينة » التي قيل إن الركاب الجزائريين تعرضوا لها عند وصولهم إلى المطارات الباريسية. وفي 15 ديسمبر، تلقى روماتي التوبيخ نفسه بعد بث قنوات تلفزيونية جزائرية لتصريحات جهادي سابق اتهم المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية (DGSE) بمحاولة « زعزعة استقرار الجزائر ».
«شرگي»… دلالة مستفزة
ذهبت الجزائر أبعد من ذلك في احتجاجها على المناورات العسكرية المغربية-الفرنسية، معتبرة أن تسمية العملية نفسها تحمل دلالة «مستفزة». بينما يشير مصطلح «شرگي» إلى الرياح الساخنة القادمة من الشرق التي تضرب شمال إفريقيا، ترى الجزائر في الاسم تلميحا إلى موقعها الجغرافي، شرق المملكة، للإيحاء بأنها الهدف غير المباشر للمناورات التي ستقام « غير بعيد عن الحدود الجزائرية »، وفق ما جاء في البيان. رغم أن المسافة تبلغ 211 كيلومترًا عن أقرب مدينة جزائرية، وهي بشار، إلا أن ذلك لم يثنِ الجزائر عن إطلاق هذه الاتهامات البعيدة عن الواقع.
وجاء في البيان: « أوضح الأمين العام لمحاوره أن الجزائر تعتبر هذا التمرين العسكري عملًا استفزازيا ضدها. وأضاف أن مثل هذا العمل لن يؤدي إلا إلى تأجيج الأزمة التي تميز العلاقات الجزائرية-الفرنسية حاليا، ورفع مستوى التوتر بين البلدين إلى درجة أعلى من الخطورة ».
أزمة مشروعية
لكن كيف يمكن لمناورات عسكرية، خاصة إذا كانت روتينية، أن تشكل استفزازا تجاه الجزائر؟ خصوصا أن المشاريع المشتركة بين الجيشين المغربي والفرنسي عديدة. ففي ديسمبر الماضي، أنهت مجموعة الكوماندوز المظليين الفرنسيين التابعة للواء المظلي الـ11 ونظراؤهم المغاربة بنجاح تمريناً مشتركا باسم « العقرب »، الذي جرى بين 2 و13 من الشهر نفسه في بنجرير.
ومن 20 أكتوبر إلى 15 نونبر 2024، شارك جنود الجبال المغاربة والفرنسيون في تدريب مشترك في أوكايمدن. والأكثر من ذلك، فإن تمرين « الشرقي » ليس الأول من نوعه، إذ أقيمت نسخة سابقة منه بين 1 و25 مارس 2022 في المنطقة نفسها دون أن تثير الجزائر أية ضجة. فلماذا الآن؟
المسألة تتعلق أيضا بمشكلة مشروعية. ففي نونبر 2022 وفبراير 2023، أجرت روسيا والجزائر مناورات عسكرية مشتركة. بالنسبة لتمرين « درع الصحراء 2022″، جرت التدريبات في قاعدة حماغير على بعد حوالي 50 كيلومترا من الحدود المغربية. نفس الشيء بالنسبة لعملية فبراير 2023، فضلا عن العديد من « التدريبات التكتيكية » بالذخيرة الحية التي تجرى بانتظام في « المنطقة العسكرية الثالثة » الواقعة على الحدود مع المغرب. ومع ذلك، لم يرد المغرب مطلقا على هذه العمليات، سواء رسميا أو بطريقة أخرى، باعتبارها جزءا من السيادة الوطنية للدول على أراضيها.
إذن، لماذا الاعتراض على مناورات مماثلة عندما تشمل المغرب وفرنسا؟ تمرين « الأسد الإفريقي » السنوي، الذي يعد الأكبر في القارة، ويجمع المغرب والولايات المتحدة، يُجرى في الصحراء المغربية، على مرأى من الجزائر دون أي اعتراض. إذا لم يكن هذا ازدواجية في المعايير، فهو يشبهها إلى حد كبير.
هروب إلى الأمام
الطريقة المدروسة التي جاءت بها ردود الفعل الجزائرية تكشف عن نية مبيتة لـ« وخز » فرنسا، في محاولة لتحويل الرأي العام نحو موضوع أكثر شرفا بالنسبة للنظام الجزائري، ألا وهو الجيش.
المناورة واضحة: إعادة توجيه بوصلة الأزمة مع فرنسا نحو المغرب. العلاقات الجديدة بين الرباط وباريس، واعتراف فرنسا بمغربية الصحراء… كلها مواضيع مربحة للنظام الجزائري تم تهميشها لصالح قضايا أكثر إحراجاً، مثل الاعتقال التعسفي للكاتب بوعلام صنصال البالغ من العمر 80 عاما والمصاب بسرطان البروستاتا، وفضائح المؤثرين الجزائريين في فرنسا، والجدل المتكرر حول الجزائريين الخاضعين لأوامر مغادرة التراب الفرنسي (OQTF) الذين يرفض النظام استقبالهم.
دليل على هذا الهروب إلى الأمام هو استدعاء الدبلوماسي الفرنسي الذي سبقه حملة شرسة في وسائل الإعلام الجزائرية التي تلقت أوامر واضحة لاستغلال الموضوع. صحيفة « لا باتري نيوز » وصفت الأمر بأنه « استفزاز غير مقبول »، بينما قدمت صحيفة « الخبر » قراءة جيوسياسية سطحية تزعم أن فرنسا تستخدم المغرب للعودة إلى المنطقة بعد انسحابها من الساحل وغرب إفريقيا.
محاولة بائسة للتغطية
رغم كل هذا الجدل، فإن تمرين « الشرگي 2025″ يندرج في إطار التعاون العسكري بين المغرب وفرنسا. الهدف هو تعزيز قدرات القوات المسلحة للبلدين ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية، لا سيما في المناطق الساحلية والصحراوية، ومحاربة المنظمات الإرهابية.
العملية ستتم على مرحلتين. الأولى (CPX) ستكون عبارة عن تمرين قيادي ومحاكاة لتحسين قدرات التخطيط واتخاذ القرار المشترك. أما المرحلة الثانية (LIVEX)، فستشمل تدريبات ميدانية بمشاركة وحدات برية وجوية في بيئة عملياتية حقيقية لتقييم الجاهزية القتالية وتعزيز التنسيق بين القوات.
أما ردود الفعل الجزائرية ومحاولة صرف الانتباه نحو موضوع لا يعنيها (وهو أمر اعتيادي أصلا)، فلا تعدو كونها محاولة بائسة لإخفاء الوجه الحقيقي للنظام، الذي يستغل جاليته في فرنسا لأغراضه الصغيرة. أحد أوجه هذا النظام القبيحة كُشف في تحقيق مدته 6 دقائق فقط على قناة « فرانس 2″، ما دفع العصابة الحاكمة إلى تحريك آلة الدعاية في محاولة يائسة لتغطية الفضيحة.