احتكار الممثلين يثير جدلا في الأوساط الفنية المغربية
شركات الإنتاج الكبرى تتبنى إستراتيجيات واضحة في اختيار المؤثرين والنجوم المتمتعين بشعبية واسعة.
أثارت دراما رمضان الحالي جدلا واسعا في الأوساط الفنية المغربية، حيث يتهم عدد من الممثلين باحتكار أدوار رئيسية في عدة مسلسلات، وهذا الاحتكار كما يراه البعض يتجسد في تكرار ظهور الأسماء نفسها في الأعمال المتنافسة على شاشات التلفزيون. من بين هذه الأعمال مسلسل “الدم المشروك” و”يوم ملقاك” و”الشرقي والغربي” وسيتكوم “مبروك علينا” و”ولاد ايزة 2″.
ويعتبر البعض أن هذا التكرار يعطي الممثلين فرصة للتألق وتقديم أدوار متنوعة، والذي يعد رأيا غير صائب، بينما يرى آخرون أن هذا الوضع يحد من فرص الممثلين الجدد والمواهب الصاعدة في إثبات أنفسهم، وهو رأي صحيح نسبيا، لكن هل الممثل متهم؟ أم أن شركات الإنتاج هي التي تقرر؟ أم أن المخرجين هم من اعتادوا العمل مع فريق دون آخر؟
عند الحديث عن الممثلين الذين يسيطرون على المشهد الدرامي المغربي، مثل رفيق بوبكر وعزيز الحطاب وماجدولين الإدريسي ودنيا بوطازوت وطارق البخاري وسلوى زرهان وأمين الناجي وعزيز داداس، وغيرهم، لا يمكن تجاهل حقيقة أن هؤلاء مجرد “عمال” يمارسون الفن كمهنة يعيشون منها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هؤلاء الممثلون هم من يتحكمون في اختيار أدوارهم؟ بالطبع لا، فالعديد من هؤلاء النجوم لا يحددون اختياراتهم بأنفسهم بل يتعاملون مع شركات الإنتاج وصناع القرار في القطاع الفني الذين لهم اليد العليا في اختيار الكاستينغ وتوزيع الأدوار، إذن لماذا يتهمون وكأنهم هم من يسيطرون على المشهد الدرامي؟
اختيار النجوم ذوي الشعبية الكبيرة ما هو إلا جزء من الفلسفة الاقتصادية في صناعة الإنتاج السينمائي والدرامي، وهو يعتمد بشكل أساسي على فهم السوق واحتياجات الجمهور
إن الدور الكبير الذي يلعبه المنتجون والمخرجون في تحديد الأسماء التي تظهر في الأعمال الفنية هو السبب الرئيسي في هذا التكرار، فهؤلاء يتخذون قراراتهم بناءً على عوامل متعددة، مثل شهرة الممثل وجماهيريته وملاءمته للشخصيات، وهذه العوامل تسهم في زيادة ظهور الوجوه ذاتها، وهم إذا من يوجهون صناعة الدراما ويختارون الممثلين الذين يرون أنهم الأكثر قدرة على جذب الجمهور، والممثل الذي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة يعتبر خيارا مغريا للمنتج والمخرج في سبيل ضمان النجاح التجاري والنجاح الجماهيري للعمل، وبالتالي فإن هذا التكرار في الظهور يعود إلى إستراتيجيات تسويقية تهدف إلى تحقيق أعلى نسبة مشاهدة وجذب أكبر شريحة من الجمهور.
ويثير هذا الوضع تساؤلات حول دور الممثلين الجدد في صناعة الدراما المغربية، إذ كيف يمكن للمواهب الجديدة أن تجد مكانها وسط هذه الوجوه المألوفة والمكررة؟ وهل هناك فرص حقيقية للممثلين الجدد في منافسة كبار النجوم الذين يمتلكون شهرة كبيرة؟ ويظهر أن هناك تهميشا غير مقصود للمواهب الصاعدة في ظل هذه الديناميكية، إذ تفضل بعض شركات الإنتاج الاستثمار في النجوم الذين يضمنون لها حضورا قويًا في السوق، خاصة الثنائيات، مثل عزيز داداس و ماجدولين الإدريسي، لكن اتهام الممثلين بالاحتكار هو اتهام غير دقيق في الكثير من الأحيان، لأن هؤلاء الممثلين لا يملكون القدرة على التحكم في خياراتهم في الكاستينغ، بسبب أنهم جزء من نظام أكبر يدار بناء على اعتبارات تسويقية وفنية.
وتتبنى شركات الإنتاج الكبرى سواء في مجال الأفلام أو الدراما إستراتيجيات واضحة في اختيار المؤثرين والنجوم المتمتعين بشعبية واسعة، وذلك لضمان نجاح أعمالها في السوق، ويعتمد المنتجون في الدرجة الأولى على اختيار نجوم الكوميديا لأن الجمهور يحبهم، مثل يسار وباسو ورشيد رفيق والزبير هلال، وهذا الخيار يوضح عقلية المنتج “البزنس مان” الذي يضع النجاح التجاري أولا، فبالنسبة إليه يعتبر الاستثمار في هؤلاء النجوم خطوة مضمونة لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، من أجل العائدات المالية للعمل.
ويمكن ملاحظة أن هذه الإستراتيجية تشمل أيضا صناعة السينما العالمية، فعلى سبيل المثال في هوليوود تعتمد شركات الإنتاج الكبرى على نجوم كبار مثل توم هانكس وويل سميث وميريل ستريب وبراد بيت وجورج كلوني، لجذب الجمهور وضمان نجاح الأفلام، وهذا يساهم في زيادة مبيعات التذاكر وتوسيع قاعدة المشاهدين في السوق المحلية والعالمية حتى لو كان العمل سيئا.
إن اختيار النجوم ذوي الشعبية الكبيرة ما هو إلا جزء من الفلسفة الاقتصادية في صناعة الإنتاج السينمائي والدرامي، وهو يعتمد بشكل أساسي على فهم السوق واحتياجات الجمهور، ومن حق المنتجين أن يستثمروا في هؤلاء النجوم لضمان النجاح، كما أن هذا النهج يبرز تطورًا طبيعيا في صناعة الفن والدراما وكيف يتم دمج الفن مع التجارة لتحقيق أكبر استفادة للجميع.
ومن بين الظواهر المتهمة بالفساد التي تشهدها صناعة الدراما المغربية، هي أن هناك بعض الممثلين الذين يظهرون بشكل متكرر في الأعمال التلفزيونية يقبلون أحيانا بعقود تتضمن أجورا زهيدة للغاية، وهذا يفسر تكرار ظهورهم في عدة أعمال خلال الموسم الرمضاني وغيره، لكن المثير في هذا الموضوع هو أن المبلغ الذي يتم الاتفاق عليه ضمن العقود ليس بالضرورة هو المبلغ الذي يحصل عليه الممثل في الواقع، إذ يتعرض بعضهم لخصومات أو ترتيبات سرية قد تؤثر على أجرهم النهائي، وهذه الممارسات تكرس استمرار ظهور بعض الوجوه.
وتعود هذه الظاهرة إلى ممارسات قديمة ومتشعبة داخل صناعة التلفزيون، تمتد إلى المخرجين والفريق التقني أيضا، وفي الكثير من الأحيان يتم تقديم عروض مغرية للممثلين الجدد أو الموهوبين بأجور منخفضة، تجعلهم يتنافسون للحصول على أدوار في الأعمال التي قد لا تحمل الكثير من القيمة الفنية ولكنها تضمن لهم الظهور والانتشار، وهذا الوضع يعكس ثغرات كبيرة في النظام الإنتاجي، وتتداخل المصلحة التجارية مع الجودة الفنية.
وهذه الممارسات تعد جزءا من مشكلة أعمق تتعلق بكيفية إدارة الإنتاج الفني في المغرب، إذ يظل التركيز على الربح السريع والشعبية على حساب تحسين المستوى الفني والتقني، وبالطبع لا يمكن تجاهل أن هذه الممارسات هي نتيجة لواقع اقتصادي ضاغط.