قمة القاهرة: ختام ناقص لوضع شاذ يتهرب فيه الجميع من المسؤولية

لم تصدر عن القمة العربية الطارئة قرارات واضحة بشأن مستقبل غزة في ضوء خطة الإعمار التي تطرحها مصر، وكيفية التعامل مع حركة حماس، ولم تشر بوضوح كاف إلى مصدر التمويلات كما لم تتعهد أي دولة بشكل واضح بدفع قسط من كلفة إعادة الإعمار مع غياب لافت لزعماء خليجيين عن القمة.

ويعتبر ختام القمة دون حسم القضايا المطروحة ختاما ناقصا لوضع شاذ يتهرب فيه الجميع من المسؤولية، حتى الفلسطينيون تخلوا عن مسؤوليتهم عما حدث، وقدمت فيه السلطة نصف حلول وحماس وضعت خطوطا حمراء وكأن “طوفان الأقصى” لم يحدث أصلا والقطاع وأهله في وضع مريح ولا يحتاج إلى قرارات جريئة تمنع تكرار المأساة مرة أخرى.

لكن الوضع هذه المرة مختلف، والقمة العربية لا يمكن أن تخرج ببيان عام، وهي تحتاج إلى مواقف دقيقة، في ظل متابعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنتائجها إن كانت تحقق ما يطلبه في ما يخص حماس أو أنه سيضغط لتنفيذ خطة التهجير، وهو ما يضع الموقف العربي في إحراج مضاعف كان يمكن تلافيه لو صدر عن القمة موقف من حماس وسلاحها وضبط جدولة واضحة لحجم التمويلات المقدمة لإعادة الإعمار في القطاع والجهات التي ستتكفل به.

حتى الفلسطينيون تخلوا عن مسؤوليتهم عما حدث والسلطة قدمت نصف حلول وحماس وضعت خطوطا حمراء

واستبعدت الخطة المصرية، التي صادق عليها القادة والمسؤولون العرب، حركة حماس من إدارة القطاع، بما يتواءم مع أحد أهم المطالب الإسرائيلية، لكنها تجاهلت الإشارة بوضوح إلى نزع سلاح حماس وبقية الفصائل وتفكيك هياكلها العسكرية.

ومن الواضح أن القادة الحاضرين فضلوا اتخاذ موقف ملتبس حتى لا يصطدموا بالشارع العربي ويحافظوا على الصورة التي رسموها لأنفسهم خلال فترة الحرب بأنهم قريبون من الشارع ومن المقاومة. ومن الصعب أن يخرجوا بقرارات تناقض تلك الصورة.

ويطرح التغاضي عن سلاح حماس مشكلة مستقبلية للخطة المصرية، فحماس يمكن أن تعرقل أي مرحلة من مراحل الخطة أو ترفض مشاركة دول معيّنة. كما أن وجوده يجعل من السهل ظهور سنوار جديد يضع على عاتقه مهمة خوض الحرب مع إسرائيل، وهكذا تذهب المليارات التي صرفت لإعادة الإعمار مع حرب استعراضية جديدة من حماس وإسرائيل. وبعد أشهر تظهر خطة أخرى تطالب دول الخليج بضخ أموال جديدة لإعادة الإعمار، وهذه هي نقطة الخلاف التي كان على القمة حسمها بشكل واضح.

كما أن بقاء السلاح بيد حماس قد يؤسس لحرب أهلية في حال تسلمت السلطة الفلسطينية إدارة القطاع في مرحلة تالية مثلما تقترح ذلك الخطة المصرية.

وقطعت حماس مجال التأويلات والمواقف العربية الملتبسة بقولها إن سلاحها “خط أحمر” ولا أحد سيقترب منه، وتفكيك سلاح حماس هو الشرط الذي تضعه إسرائيل مدخلا لمفاوضات المرحلة الثانية التي ستتأسس عليها الخطة المصرية – العربية.

ويقول مراقبون إن مصر وقطر لعبتا دورا مهما في إقناع حماس بالتنازل عن وجودها في الحكم وأن عليها أن تتنحى وتتيح الفرصة لتشكيل إدارة فلسطينية غير فصائلية، لأن الغضبة الإسرائيلية – الأميركية ستجرفها وتقتلع سكان غزة قسريا.

وذكر المتحدث باسم حماس حازم قاسم، الثلاثاء، أن حركته لن تكون جزءا من أي ترتيبات إدارية لمستقبل قطاع غزة، شريطة أن يجري التوافق عليها وطنيا، وقال “ليس بالضرورة أن تكون حماس جزءا من الترتيبات وهي غير معنية بذلك، ولا تريد أن تكون في هذه الترتيبات أصلا.”

وكشفت مصادر عربية في القاهرة  أن الخطة المصرية لم تنحصر في ملف التوطين أو تستغرق في الرد بشكل مباشر على مقترح ترامب، لأن القادة العرب لا يريدون صداما مع واشنطن وتصوير الأمر كسباق مبادرات، ولذلك جاءت مخرجات قمة القاهرة مرنة أكثر من اللازم.

وأكدت الخطة المصرية أن تنفيذها يتطلب ترتيبات للحكم الانتقالي وتوفير الأمن بما يحافظ على آفاق حل الدولتين (إسرائيلية وفلسطينية) كحل أمثل من وجهة نظر المجتمع والقانون الدوليين، وأن القطاع جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وينطوي ذلك على رفض لمحاولات الفصل التي تتبعها إسرائيل بين غزة والضفة الغربية ومنع أي فرصة لدولة فلسطينية قابلة للحياة.

 

وأوضحت الخطة أن نزْع أملِ إقامة الدولة من الشعب الفلسطيني أو انتزاع أرضه منه لن يأتيا إلا بالمزيد من الصراعات وعدم الاستقرار، مشددة على أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة، بعد توقف المفاوضات عقب انتهاء المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس والتلويح باستئناف الحرب.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب  إن الخطة المصرية استجابت لجزء مهم من تطلعات الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة، وكان الاتفاق على ألا تكون حماس على رأس السلطة في غزة حلا جيدا بعد إسناد مهمة الإدارة إلى لجنة تكنوقراط ثم تتسلم السلطة الفلسطينية المهام في فترة لاحقة.

وتقترح مصر خطة لإعادة إعمار غزة بكلفة 53 مليار دولار على مدار خمس سنوات، تضمن عدم تهجير الفلسطينيين خارج القطاع المحاصر.

وتتضمن الخطة تشكيل لجنة لإدارة غزة، تتولى تسيير شؤون القطاع في مرحلة انتقالية لمدة ستة أشهر، على أن تكون اللجنة مستقلة ومكونة من شخصيات غير فصائلية (تكنوقراط) تعمل تحت مظلة الحكومة الفلسطينية.

ويجري تشكيل لجنة إدارة غزة خلال المرحلة الحالية، تمهيدا لتمكينها من العودة بشكل كامل إلى القطاع، وإدارة المرحلة المقبلة بقرار فلسطيني، وتعمل مصر والأردن على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيدا لنشرها في القطاع.

ودعت الخطة المجتمع الدولي إلى إبداء اهتمامه بدعم جهود مصر وقطر والولايات المتحدة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومن أبرز آثار انهيار وقف إطلاق النار “إعاقة الجهد الإنساني وعملية إعادة الإعمار.”

وطالبت بضرورة بدء التفكير في كيفية إدارة المرحلة المقبلة للتعافي المبكر، والتعاطي مع القطاع بأسلوب سياسي وقانوني يتسق مع الشرعية الدولية، وأهمية استمرار جهود السلطة الوطنية ودورها في اتخاذ خطوات لتطوير عمل مؤسساتها وأجهزتها.

 

وتم طرح إصدار قرار يقضي بنشر قوات حفظ سلام دولية بالأراضي الفلسطينية في سياق متكامل لإقامة الدولة الفلسطينية، ويمكن التعامل مع معضلة تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح إذا أزيلت أسبابها من خلال عملية سياسية ذات مصداقية.

وثمّن أيمن الرقب في تصريحه لـه دعوة القمة مجلس الأمن إلى إصدار قرار بشأن وجود قوات دولية في غزة، جزء من مهمتها الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، كما اعتبر تجاهل الحديث عن نزع سلاح حماس رسالة للدعوة إلى إزالة أسباب وجوده، ممثلة في انتفاء الاحتلال الإسرائيلي.

وطالبت الخطة العربية بإبرام هدنة متوسطة المدى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لفترة زمنية محددة في المناطق الفلسطينية كافة، كمرحلة انتقالية يتم خلالها تحديد إجراءات من أجل بناء الثقة لوقف جميع التصرفات الأحادية، وإنشاء منطقة عازلة بعد إزالة الأنقاض وبناء 20 منطقة إسكان مؤقت بمشاركة شركات مصرية وأجنبية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: