غياب الجزائر عن القمة العربية الطارئة: نأي بالنفس أم تأكيد للعزلة
أثار إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الغياب عن القمة العربية الطارئة، المقررة الثلاثاء في القاهرة، التساؤل عن مبررات هذا القرار في وقت يحتاج فيه العرب إلى موقف موحد لمواجهة تعقيدات أزمة غزة، وتبدو الجزائر بهذا في موقع من يعرقل مساعي الخروج بموقف عربي موحد لإسناد الفلسطينيين، ما يتعارض مع تصريحات مسؤوليها المتكررة عن دعم الفلسطينيين.
ويعتبر مراقبون أن الغياب عن القمة العربية قفزة نحو المجهول تضع الجزائر أمام المزيد من المتاعب والعزلة السياسية والدبلوماسية، وأنه كان من الأجدر التعبير عن أي موقف بالحضور وبالمرافعة عنه أمام أنظار المسؤولين والإعلاميين بدل النأي بالنفس والسعي لعدم تحمل مسؤولية الموقف العربي الجماعي الذي قد يغضب إسرائيل.
وجاء القرار الجزائري مفاجئا وصادما للدوائر السياسية العربية التي كانت تبحث عن تزكية واسعة لخارطة الطريق التي قدمتها مصر وتمت مناقشة تفاصيلها في القمة المصغرة بالرياض والهادفة إلى حلحلة الأزمة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة.
الغياب عن القمة قفزة نحو المجهول تضع الجزائر أمام المزيد من المتاعب والعزلة السياسية والدبلوماسية إقليميا ودوليا
وتعزل الجزائر نفسها بهذا الموقف، رسميا وشعبيا، على المستوى العربي؛ فالغياب عن القمة لا يُفهم إلا على أساس أنه هروب من مواجهة قضية طالما تبناها الجزائريون وزايدوا باسمها على دول عربية في المشرق والمغرب.
وفيما يغلّف المسؤولون الجزائريون غياب الرئيس تبون بالمزايدة والشعارات، يقول متابعون للشأن الجزائري إن الجزائر لا تريد أن تبدو في صدام مع الولايات المتحدة في هذا الوقت بالذات، الذي تسعى فيه للتقارب مع إدارة دونالد ترامب وفتح أبواب الشراكة الاقتصادية والعسكرية نكاية في الموقف الروسي المناوئ لها في منطقة الصحراء.
كما أن غياب الرئيس الجزائري عن قمة مهمة يأتي بعد تصريحات مثيرة للجدل قال فيها لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية إن “الجزائر ليست لها مشاكل مباشرة مع إسرائيل، ومتى تمّت تسوية الملف الفلسطيني وفق مبدأ حل الدولتين والعاصمة القدس وعودة المهجرين، ستطبع الجزائر علاقاتها مع إسرائيل في اليوم التالي.”
وسعت الجزائر لإلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين تحت مبرر “استئثار دول دون أخرى بإعداد مخرجات الاجتماع” لمقاطعة القمة، في إشارة إلى المبادرة المصرية بشأن إعادة الإعمار في غزة بعد وقف إطلاق النار بين حماس والإسرائيليين. لكن في العادة تتلقى القمة مبادرات مختلفة وهي التي تحسم الأمر لكونها أعلى مؤسسة.
وكان يمكن للرئيس تبون أن يحضر إلى القاهرة ويرفض الخطة إن كان يعارضها أو يحتج على تمرير مشروع لا تتفق معه الجزائر مثلما يجري في قمم أخرى بالعالم، حيث تخرج الخلافات إلى العلن.
واضطلعت وكالة الأنباء الرسمية بمهمة الكشف عن قرار تبون الغياب عن القمة، حيث استندت إلى ما أسمته بـ”مصدر مطلع”، والذي يكون في غالب الأحيان مسؤولا سياسيا أو إعلاميا، أوعز إلى الوكالة عن طرق مديرية الإعلام في الرئاسة، أو حرر البرقية بنفسه وأمر بنشرها في شريط الوكالة.
ورغم تشديد الرئيس تبون، في أحد تصريحاته، على أن مؤسسات الدولة وقرارات الدولة لا تدار بواسطة وسائل الإعلام، في إشارة إلى ضلوع بعض المؤسسات الإعلامية في حملات سياسية موجهة، إلا أن اللافت منذ عدة أسابيع أن السلطة الجزائرية باتت تعمد إلى مؤسساتها الرسمية أو المقربة لإطلاق رسائلها ورصد ردود الفعل.
وذكر مصدر مطلع أن اعتماد السلطة على أسلوب الإيحاء وانتظار ردود الفعل والمواقف، ناجم عن رغبتها في ترك هامش المناورة قائما، فالمواقف أو التصريحات الحادة يمكن التملص منها بسهولة وحتى التنكر لها، لأنها في نظر السلطة لا تعدو أن تكون مجرد “كلام جرائد”، ولذلك يجري قياس ردود الفعل عبر بالونات اختبار تتكفل وسائل إعلام رسمية أو مقربة بإطلاقها، وإذا سارت نتائجها عكس التوقعات يجري التنكر لها بسهولة.
بهذا الموقف، الجزائر تعزل نفسها، رسميا وشعبيا، على المستوى العربي؛ فالغياب عن القمة لا يُفهم إلا على أساس أنه هروب من مواجهة قضية طالما تبناها الجزائريون
وذكرت برقية الوكالة الجزائرية أن الرئيس تبون “قرر عدم المشاركة شخصيا في أشغال القمة العربية الطارئة التي تستضيفها جمهورية مصر العربية يوم 4 مارس بغرض بحث تطورات القضية الفلسطينية، وأنه كلف وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الأفريقية، أحمد عطاف، بتمثيل الجزائر في أشغال هذه القمة.”
وأضافت “يأتي هذا القرار على خلفية الاختلالات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة، حيث تم احتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية، التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة المرتقبة بالقاهرة دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية.”
ولفتت إلى أن الرئيس تبون قد حزت في نفسه طريقة العمل هذه، التي تقوم على إشراك دول وإقصاء أخرى، وكأن نصرة القضية الفلسطينية أصبحت اليوم حكرا على البعض دون سواه.
وشكل قرار الرئيس تبون مفاجأة للمسار العربي المشترك، الذي ظلت الجزائر متمسكة به عند عرض البرنامج الانتخابي عام 2019، وهو ما أعطى الانطباع بأن الجزائر ستبقى في عمق الزخم العربي مهما كانت الظروف السائدة.
وكانت الجزائر قد احتضنت القمة العربية الحادية والثلاثين عام 2022، بعد عامين من التأجيل بسبب جائحة كورونا، وقد راهنت آنذاك على إنجاحها بكل السبل وبذْل كل الجهود من أجل إقناع أكبر عدد ممكن من القادة العرب بالحضور.