ترجم المغرب جهوده باتجاه تحديث وتطوير شبكة سكة الحديد من خلال إرساء عقود شراء مجموعة كبيرة من القطارات المتطورة، كان أبرزها الشراكة مع كوريا الجنوبية، والتي تتضمن بناء منشأة داخل السوق المحلية عبر إحدى أهم الشركات في صناعة النقل.
فازت شركة هيونداي روتيم الكورية الجنوبية بعقد ضخم بقيمة 1.53 مليار دولار لتوريد قطارات كهربائية متطورة بطابقين إلى المغرب، بعد منافسة مع شركات فرنسية وإسبانية وصينية.
وتأتي الخطوة في سياق توسيع شبكتي السكك الحديدية عالية السرعة والقطارات الحضرية، كأحد مشاريع البنية التحتية، التي تعكف السلطات على تطويرها استعدادا لاحتضان أحداث ضخمة خلال السنوات المقبلة، وأبرزها مونديال كرة القدم 2030.
ووقّعت وزارة الاقتصاد المغربية وسفارة كوريا الجنوبية الأربعاء الماضي بروتوكول تمويل لشراء قطارات من الجيل الجديد لفائدة المكتب الوطني للسكك الحديدية (أو.أن.سي.أف)، وتحديث وتوسيع الشبكة، في إطار الجهود المبذولة تحت قيادة العاهل المغربي الملك محمد السادس لتعزيز البنية التحتية الوطنية.
وتعتبر الصفقة أول خطوة لهيونداي روتيم نحو السوق المغربية، وهي أيضا الأكبر لتوريد قطارات في تاريخ الشركة، متفوقة بذلك على أكبر صفقة سابقة لها، وهي توريد قطارات أن.آي.أف ذات الطابقين لأستراليا بقيمة تقترب من مليار دولار.
وذكرت شركة أو.أن.سي.أف، المشغل الحكومي للقطارات، في بيان الأربعاء الماضي، أنها ستشتري 168 قطارا من هيونداي روتيم وألستوم الفرنسية وشركة البناء وخدمات سكك الحديد الإسبانية مقابل 2.9 مليار دولار.
وتعهدت الشركة المغربية وشركاؤها الذين تم اختيارهم بفتح آفاق واعدة للتنمية الصناعية، مع تعزيز مكانة سكك الحديد كعصب رئيسي للنقل المستدام والمتقدم، مما سيسهم في إنجاح التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 بين المغرب وإسبانيا والبرتغال.
وأعرب الرئيس الكوري الجنوبي تشوي سانغ موك في رسالة إلى الملك محمد السادس عن تقديره لـ”ثقة السلطات المغربية واهتمامها بالشركات الكورية، التي تتميز بتنافسيتها العالية وتقدمها التكنولوجي على المستوى العالمي”، وفقا لبيان وزارة المالية الكورية.
وأشار البيان إلى أن “الصفقة تُعد أكبر عقد لتوريد قطارات حصلت عليه شركة كورية في سوق خارجية على الإطلاق”.
وتوقعت الوزارة أن تعزز الصفقة بشكل كبير نمو وتعاون الشركات المحلية الكورية، حيث سيتم تزويد نحو 90 في المئة من مكونات القطارات من قبل نحو 200 شركة صغيرة ومتوسطة كورية.
وأكدت شركة أو.أن.سي.أف أن إسناد صفقات شراء القطارات جاء عقب تنافس استمر لأكثر من عام بين الشركات الرائدة في صناعة سكك الحديد على المستوى العالمي.
وقالت “تتضمن الصفقة التزاما بتطوير الأنشطة الصناعية في المغرب من أجل دعم المنظومة الصناعية الوطنية للسكك الحديدية، بما في ذلك إنشاء مصنع محلي لصناعة القطارات.”
وتماشيا مع انفتاح الشركات الكورية على الاستثمار بقطاع النقل الحديدي المغربي، أكد إدريس الفينة رئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية أن المغرب يستفيد من بنيته التحتية المتطورة والمناطق الصناعية المتوفرة، ناهيك عن ميزة الاستقرار السياسي والموقع الجيو – إستراتيجي.
111 قطارا كهربائيا بطابقين ستوردها الشركة الكورية إلى مكتب سكك الحديد بموجب العقد
وأوضح في تصريح لـه أن المناطق الصناعية ترتبط بشبكة سكك الحديد، فضلا عن استفادة الشركات من إعفاءات ضريبية في السنوات الأولى، وهي آلية لتشجيع الاستثمار لأن الإعفاء يأخذ بعين الاعتبار القيمة المضافة، وفرص العمل الجديدة.
وهيأت سيول الأرضية لشركات القطاع العام والخاص للاستثمار بالمغرب، عززتها زيارة قام بها وزير النقل بايك وون كوغ العام الماضي، لبحث سبل تعزيز التعاون في مجال سكك الحديد، ودعم مشاركة الشركات الكورية في تطوير شبكة النقل الحديدي.
وبما أنه أول عقد لهيونداي روتيم في المغرب، وهو نجاح تعزوه الشركة إلى التعاون الفعّال بين القطاعين العام والخاص، فإن الشركة أكدت أنها ستتعاون مع شركة كوريل الكورية لسكك الحديد لصيانة وإصلاح القطارات عبر مفاوضات منفصلة مع السلطات المغربية.
وأشارت روتيم إلى أن برنامج كوريل، الذي يتضمن نقل التكنولوجيا وبرامج التدريب، لقي ترحيبا من الحكومة المغربية. وقالت “في الواقع، سيتم جزء من إنتاج القطارات في المغرب، مما يعزز تطوير صناعة السكك الحديدية المحلية.”
وذكرت وزارة الاقتصاد المغربية أن الاتفاق يشمل تعبئة تمويل بشروط ميسّرة من الصندوق الكوري لتنمية التعاون الاقتصادي التابع لبنك الاستيراد والتصدير الكوري.
وبغية تطوير طموح التصدير للقطارات على المدى المتوسط والطويل، ستقوم أو.أن.سي.أف والشركات الفائزة بالعقود بإبرام شراكات لصيانة القطارات التي تم شراؤها على مدار سنوات.
وقد تمت أيضا مواكبة إسناد هذه الصفقات بتمويلات ميسرة للغاية من قبل شركاء دول المنشأ، التي تغطي المبلغ الكامل للصفقات.
ووقّع ربيع الخليع، المدير العام لشركة أو.أن.سي.أف، وهي سونغ يون، رئيس بنك الاستيراد والتصدير الكوري، اتفاق قرض لتمويل شراء 110 قطارات من موردين كوريين، بهدف تعزيز منظومة شبكة القطارات وتحسين خدمات النقل الجهوي في المغرب.
ويتسلح المغرب ببرنامج طويل المدى يطلق عليه اسم “المخطط السككي 2040″، اعتبره وزير النقل المغربي محمد عبدالجليل بأنه دراسة استشرافية مهيكلة لتوسيع شبكة سكك الحديد.
وقال “سيتم إنشاء 3800 كيلومتر من خطوط سكك الحديد الجديدة لربط 43 مدينة، وتأمين نقل نحو 87 في المئة من السكان بنهاية العقد المقبل، بدل 51 في المئة حاليا.”
ويرى مسؤولو أو.أن.سي.أف أن الاستثمار الكوري الجديد فرصة حقيقية لإرساء منظومة صناعية لسكك الحديد، وفق رؤية الملك محمد السادس، ستترتب عليها تأثيرات اقتصادية واجتماعية هامة، من حيث توفير فرص العمل.
كما أنه سيسهم في دعم قطاع الصناعة بشكل عام بنسبة اندماج محلي ملحوظ من شأنه تحويل البلد إلى مركز عالي التنافسية على مستوى قارة أفريقيا والعالم في المستقبل.
وفي إطار خطة التطوير التي تمتد إلى 2030، أفاد بدرالدين برتول، مدير المنشآت في قطب القطارات فائقة السرعة (أل.جي.في) في أو.أن.سي.أف بأن تمديد شبكة القطار فائق السرعة بين القنيطرة وأغادير سيزيد نسبة المستفيدين من هذه الخدمة إلى 59 في المئة.
وأكد أنه سيتم إطلاق القطارات الجهوية السريعة في الرباط والدار البيضاء ومراكش لدعم التنقل بين الملاعب بحلول كأس العالم.