الجزائر تراهن على دور لليسار لاحتواء الأزمة مع اليمين الفرنسي
الجزائر تراهن على دور لليسار لاحتواء الأزمة مع اليمين الفرنسي
تضمّن البيانان الأخيران لوزارة الخارجية الجزائرية في الرد على الخطوات التصعيدية المتخذة من السلطات الفرنسية، إشارات واضحة إلى أن النظام الجزائري يصر على حصر الأزمة القائمة في الخطاب اليميني المتطرف، رغم أن المسألة تتعلق بتصريحات ومواقف مسؤولين رسميين يمثلون الدولة الفرنسية، الأمر الذي يشي بنية الجزائر الإبقاء على فرص التطبيع قائمة مع أي تيار سياسي آخر يحترم مصالح الجزائر وسيادتها.
ورغم أن آخر بيان للخارجية الجزائرية عبر عن رفض ما أسماه بـ”المهل والإنذارات والتهديدات،” في إشارة إلى مهلة الشهر أو الأسابيع الستة التي منحها رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو للمسؤولين الجزائريين من أجل مراجعة كل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، تركت الفقرة الأخيرة من البيان الباب مواربا أمام أي تسوية مع تيار سياسي آخر، بالقول “بذلك يكون اليمين الفرنسي المتطرف البغيض والحاقد قد كسب رهانه باتخاذ العلاقة الجزائرية – الفرنسية رهينة له وتوظيفها لخدمة أغراض سياسوية مقيتة لا تليق بمقامها ولا بمنزلتها.”
ومع أن سطوة اليمين الفرنسي المتطرف على دوائر القرار السياسي والإعلامي في الآونة الأخيرة تأتي في إطار موجة صعود التيار في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إلا أن الجزائر يبدو أنها تراهن على صعود القوى اليسارية والمعتدلة إلى السلطة من أجل تطبيع العلاقات والعودة بها إلى الوضع الطبيعي.

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة الجزائر إلى “الانخراط مجددا في عمل معمق” بشأن اتفاقات الهجرة بين البلدين، وحذّر من أي “ألاعيب سياسية” في هذا النقاش من شأنها أن توتر العلاقات الثنائية. وقال في مؤتمر صحفي بمدينة بورتو البرتغالية “لن نمضي قدما إذا لم يكن هناك عمل، ولا يمكننا التحدث مع بعضنا البعض من خلال الصحافة، إنه أمر سخيف، لن تسير الأمور بهذه الطريقة أبدا.”
ويدعو عدد قليل من السياسيين الفرنسيين إلى تغيير اللهجة مع الجزائر، من بينهم وزير الخارجية الأسبق دومينيك دوفيلبان الذي قال على قناة “بي أف أم” إن “القوة لا تفيد مع دولة مثل الجزائر التي تمتلك هوية وطنية قوية.”
وكان دوفيلبان قد أكد أن “القبضة الحديدية وتشديد الإجراءات لا ينفعان إطلاقا مع الجزائر حيث الحس الوطني متجذر شعبيا ومؤسساتيا على عدة مستويات.” ووجه الوزير الأول الفرنسي السابق انتقادات شديدة لوزير الداخلية برونو روتايو، معتبرا أن “مواقفه غير بنّاءة ولا تخدم العلاقات بين البلدين،” وخاطبه قائلا “المشاكل مع الجزائر لا تحل في الأستوديوهات التلفزيونية.”
ويحظى خطاب التيار اليساري والمعتدل في فرنسا تجاه الأزمة بالإشادة والاحترام من الدوائر السياسية والإعلامية في الجزائر، حيث تمت استضافة دوفيلبان خلال الأسابيع الأخيرة من قبَل تلفزيون “آل 24 نيوز” شبه الرسمي، كما قوبل مسعاه لتخفيف التوتر بارتياح جزائري لافت.
وسبق لدوفيلبان أن انتقد تصرفات برونو روتايو في عدة مناسبات، داعيا إلى اعتماد مقاربة أخرى تجاه الجزائر تقوم على الاحترام والندية، معتبرا أن بعض الساسة جعلوا الجزائر “كبش فداء” للتغطية على المشاكل الداخلية التي تعيشها فرنسا، وتحقيق أهداف سياسية خاصة، في تلميح إلى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في فرنسا.
والأربعاء على قناة “فرانس أنفو” حثّ المؤرخ الفرنسي والخبير في شؤون الجزائر بنجامان ستورا ماكرون على “التكلّم وإيجاد الكلمات المناسبة،” وذلك على خلفية “أننا لم نشهد أزمة خطيرة مثل هذه بين البلدين سابقا.” وكانت الكتلة البرلمانية لحزب “فرنسا الأبية” المعارض قد تبنت موقفا مشابها تجاه الأزمة بين البلدين، من خلال بيان ضمّنه انتقادا شديد اللهجة للحكومة الفرنسية وسعيها المستمر لتصعيد الأزمة بينها وبين الجزائر.