ملفات أمنية واقتصادية تجبر الجزائر على كسر الجمود مع إسبانيا
وجدت السلطة الجزائرية نفسها مضطرة إلى المهادنة والحد من مواقفها المتشنجة مع إسبانيا مع وجود ملفات مهمة تربط البلدين تتعلق بالمصالح الاقتصادية والهجرة والأمن، خصوصا مع تصاعد التوتر مع فرنسا.
اضطرت الجزائر إلى التخفيف من حدة موقفها المتشنج تجاه إسبانيا، وبدأت العمل على ترميم العلاقات، من خلال عدة لقاءات دبلوماسية بين مسؤولي البلدين لمعالجة ملفات متراكمة، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني والهجرة السرية ورفع التعليق عن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية وحسن الجوار المعلن من قبل الجزائر عام 2022.
وشكل اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ونظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في جنوب أفريقيا على هامش اجتماع مجموعة العشرين، والزيارة التي أداها وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد إلى مدريد بعد قطيعة دامت نحو عامين، مؤشرا على رغبة الجزائر في إصلاح العلاقات بين البلدين.
وتفرض المصالح الاقتصادية على الجزائر مراجعة سياساتها الخارجية والتغاضي عن التزام إسبانيا بدعمها لسيادة المغرب على صحرائه، خاصة بعد أن باءت كافة محاولاتها لدفع مدريد إلى التراجع عن موقفها بالفشل.
وبحث وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد مع نظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، ومع مسؤولين آخرين خلال زيارته إلى إسبانيا، العديد من الملفات والقضايا المطروحة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويراهن متابعون في البلدين على الزيارة لكسر الجمود في محور الجزائر – مدريد، خاصة مع الاستعداد الذي أبرزه الوزيران لمناقشة مختلف الملفات المطروحة، وتصريحاتهما بشأن عودة علاقات البلدين إلى عهدها السابق، خاصة في ما يتعلق بالتعاون في مجالات الأمن والهجرة السرية والجريمة المنظمة.. وغيرها.
وأفاد بيان لوزارة الداخلية الجزائرية بأن “المحادثات بين الطرفين تمحورت حول مجالات التعاون بين الجماعات المحلية الجزائرية والإسبانية، لاسيما في مجال استقلالية التسيير وتهيئة الأقاليم، كما تناولت سبل تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، والتنسيق المشترك في ملف الهجرة.”
وتأتي زيارة الوزير الجزائري إلى إسبانيا بعد قطيعة بين البلدين نتيجة خلاف سياسي، اندلع في أعقاب اعتراف الحكومة الإسبانية بسيادة المغرب على صحرائه، والخلاف الذي أفضى إلى إعلان الجزائر حينها عن سحب سفيرها من مدريد، ووقف التبادل التجاري وتعليق العمل باتفاقية الشراكة وحسن الجوار.
وطفت في الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات التي تتعلق بإعادة الجزائر لحساباتها وتخفيف التشدد في العلاقات مع إسبانيا، أبرزها وصف الرئيس عبدالمجيد تبون لإسبانيا بـ”البلد الصديق”، في رسالة تهنئة للكاتب والروائي ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) بعد تتويجه بجائزة أدبية في مدريد.
الأزمة المتصاعدة بين فرنسا والجزائر دفعت الأخيرة باتجاه تطبيع العلاقات مع إسبانيا لخلق توازن في علاقاتها
ويرى متابعون أن الأزمة المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا دفعت باتجاه تطبيع الجزائر لعلاقاتها مع إسبانيا، لخلق بديل وتوازن في علاقاتها المتوسطية، خاصة وأن القطيعة بينهما لم تنحدر إلى سجالات إعلامية وسياسية، كما يحدث بين الجزائر وباريس.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد التقى نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بوينو على هامش أشغال الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين، بجوهانسبورغ، حيث تباحثا حول السُبل الكفيلة لإعطاء دفعة للعلاقات بين البلدين، وتعزيز الثقة المُتبادلة وتطوير التعاون الثنائي.
وأوحى الطابع التقني لزيارة وزير الداخلية الجزائري إلى إسبانيا أن علاقات البلدين لا تعيقها أيّ مشكلات سياسية ودبلوماسية، حيث اطلع على تجربة المديرية العامة للمرور الإسبانية في تسيير الحركة المرورية وعصرنتها، وتلقى شرحا حول الآليات القانونية والتقنيات الحديثة المعتمدة لتعزيز السلامة المرورية والوقاية من اللاأمن المروري.
وتوسعت اللقاءات بين مسؤولين أمنيين في البلدين، في إشارة إلى هيمنة الملف الأمني والهجرة السرية والجريمة المنظمة، خاصة في ظل موجات المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى السواحل الإسبانية القادمين من دول جنوب المتوسط، وعلى رأسها الجزائر ودول الجوار والساحل وجنوب الصحراء.
واضطرت الجزائر العام الماضي إلى رفع الحظر الاقتصادي الذي فرضته عام 2022 على عمليات الاستيراد والتصدير من إسبانيا وإليها، خاصة بعد أن تكبد العديد من رجال الأعمال الجزائريين خسائر مالية نتيجة وقف التعاملات مع مدريد.
ولفت بيان الداخلية الجزائرية إلى أن اللقاءات تطرقت إلى سبل تعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات بين البلدين، مع الاتفاق على تنظيم اجتماعات متخصصة تجمع خبراء من الجانبين لدراسة آليات تطوير العمل المشترك في هذا المجال.
ورافق الوزير إبراهيم مراد، خلال زيارته إلى إسبانيا، كل من المدير العام للأمن الوطني علي بداوي، والمدير العام للحماية المدنية (الدفاع المدني) بوعلام بوغلاف، وهو ما يعكس طبيعة الملفات التي تم بحثها من طرف وفدي البلدين.
من جانبه أشاد الوزير الإسباني الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا بدور الجزائر كشريك أساسي في الأمن والهجرة، وهو ما يطرح ضرورة توطيد التعاون لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة ومكافحة الجريمة المنظمة.
وأكد أن البلدين يتقاسمان العديد من التحديات والمصالح المشتركة، الأمر الذي يحتم عليهما تعزيز التعاون الثنائي لمواجهة التهديدات الأمنية والجريمة المنظمة بفاعلية.
وتطرقت المحادثات إلى سبل تفعيل اللجنة المختلطة المنبثقة عن الاتفاق الأمني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ساري المفعول منذ العام 2009، واتفق المسؤولان على تكثيف تبادل المعلومات الإستراتيجية والاستخباراتية بهدف تمكين أجهزة الأمن من التصدي للأنشطة غير المشروعة، لاسيما تلك المتعلقة بالجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات.
وشكّل ملف الهجرة غير الشرعية محورا أساسيا في المحادثات، حيث ثمّنت إسبانيا الجهود الكبيرة التي تبذلها الجزائر لمكافحة شبكات تهريب البشر.
كما أعرب وزير الداخلية الإسباني عن امتنانه العميق للجهود التي بذلتها الأجهزة الأمنية الجزائرية التي أدت إلى تحرير المواطن الإسباني الذي تعرض للاختطاف جنوب الجزائر يوم 14 يناير الماضي، وأن هذه العملية تعكس مستوى الثقة والتعاون الوثيق بين البلدين، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.