المغرب يلعب دورا حاسما في استتباب الأمن الإقليمي

تمثل إستراتيجيات المغرب في مكافحة الإرهاب نموذجا ملهما استطاع من خلال المزج بين المقاربات الأمنية الاستباقية والمبادرات الاجتماعية الاقتصادية أن يلعب دورا محوريا وحاسما في الاستقرار الإقليمي والدولي.

يلعب المغرب، الذي يقع عند مفترق الطرق بين أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، دورا جيوستراتيجيا حيويا باعتباره حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي. لكن هذا الموقف المحوري يعرّض المغرب أيضا لطموحات التوسع التي تنتهجها الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. ويرى شرقاوي روداني، الأستاذ الجامعي المتخصص في الدبلوماسية والعلاقات الدولية والأمن وإدارة الأزمات،

في تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي” أنه نتيجة لهذا صار منتسبو تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بقيادة أبوالبراء الصحراوي، إلى جانب الفصائل المنشقة عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وبوكو حرام وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ينظرون الآن إلى المغرب باعتباره عقبة كبيرة أمام طموحاتهم. وهناك العديد من العوامل البنيوية التي تهدد المشهد الحالي، حيث تعاني الكثير من دول الساحل من ضعف الحكم، ما يخلق فجوات قابلة للاستغلال.

وتسهل الحدود المسامية التبادل غير المشروع للمخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر بينما تسمح للمقاتلين بالعبور بحرية بين البلدان. كما أن التدخل الأجنبي -الذي غالبًا ما يكون مدفوعًا بمصالح إستراتيجية متضاربة- يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي. ويلعب النزاع المستمر بين المغرب والجزائر أيضًا دورًا مهمًا، إذ أن دعم الجزائر الثابت لجبهة بوليساريو الانفصالية يزيد من حدة التنافس الإقليمي.

وعلى سبيل المثال في عام 2016 أدى حصار بوليساريو لمعبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا إلى تعطيل تدفقات التجارة وإعاقة التعاون، ما ساهم في إنشاء مناطق رمادية استغلتها الشبكات الإرهابية بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك تعمل معسكرات تندوف، التي لا تخضع للسيطرة بشكل جيد في جنوب غرب الجزائر، كممرات للأسلحة والتهريب والمقاتلين الذين يدخلون مناطق الصراع في منطقة الساحل.

ويوضح تطور تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى -الذي أسسه أبوعدنان وليد الصحراوي، العضو السابق في جبهة بوليساريو وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا- كيف تم استغلال الشبكات الانفصالية القائمة لإنشاء موطئ قدم له.

◙ النهج الأمني المتكامل الذي ينتهجه المغرب حوّل البلاد إلى معقل قوي ونموذج للتكيف في ظل التحديات المتزايدة

وقد أدى انهيار نظام الراحل معمر القذافي في ليبيا وانتشار الملايين من الأسلحة الخفيفة في وقت لاحق إلى تزايد الاتجار بالأسلحة. ووثق تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2022 حالات مؤكدة لنقل الأسلحة عبر تندوف، ما أدى بشكل مباشر إلى تغذية الأنشطة الإرهابية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وتشير هذه التطورات إلى أن بعض فصائل بوليساريو، على الرغم من خطابها العام، تحافظ على روابط انتهازية مع الجماعات الجهادية لتوسيع نفوذها في منطقة مجزأة على نحو متزايد.

وإدراكًا كاملاً للمشهد الأمني الحديث طور المغرب عقيدة دفاعية قوية تركز على تعزيز الأمن الوطني وتحسين التحالفات الإستراتيجية. ويدمج هيكله الأمني المتطور المراقبة المتقدمة والتنسيق الفعال بين الوكالات وآليات شاملة لمكافحة التهديدات الهجينة.

ويمكّن تحديث قوات الأمن المغربية -من خلال دمج أحدث التقنيات وأنظمة الاستخبارات المتقدمة والمراقبة الإلكترونية- المملكة من توقع المخاطر الناشئة وتحييدها. كما تعمل الشراكات الدولية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أفريقية مختلفة على تعزيز دور المغرب في استتباب الأمن العالمي.

وعلاوة على ذلك عزز المغرب مكانته من خلال نشر الاستخبارات العملياتية عالية الأداء ودعم قدرات القوات الساحلية من خلال برامج التدريب المتخصصة التي أجريت تحت رعاية مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الرباط.

وكانت المشاركة في المبادرات متعددة الأطراف، مثل مجموعة التركيز على أفريقيا، حاسمة أيضاً في تفكيك الشبكات الجهادية وإدارة التهديدات العابرة للحدود الوطنية. وحوّل النهج الأمني المتكامل الذي ينتهجه المغرب البلاد إلى معقل قوي ونموذج للتكيف في ظل التحديات المتطورة.

وباعتباره شريكًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة وأوروبا يلعب المغرب دورًا حيويًا في حماية الجناح الجنوبي للحلف الأطلسي وإدارة تدفقات الهجرة الإستراتيجية نحو أوروبا. وتستند قدراته الاستخباراتية إلى بنية تحتية أمنية متطورة وتنسيق سلس بين أجهزة الأمن النخبوية، ما يتيح الاستجابة السريعة للخلايا الإرهابية الخاملة والنشطة.

ومنذ عام 2002 قامت أجهزة الأمن المغربية بتفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية، يرتبط العديد منها بشبكات جهادية تعمل في منطقة الساحل والصحراء وسوريا والعراق. ومن خلال جمع المعلومات الاستخباراتية المتقدمة، ومكافحة التجسس التكنولوجي، وتحليل الشبكات الدقيق، وضع المغرب نفسه كحصن حاسم ضد التهديدات العابرة للحدود الوطنية والطبيعة المتطورة للإرهاب العالمي.

وعلى سبيل المثال كشفت أجهزة الاستخبارات، بالتعاون الوثيق مع الشركاء الدوليين، عن شبكة سرية يقودها مسؤول رفيع المستوى في داعش، ولديها تغلغل عميق في الأراضي المغربية. وتجسد العملية التي جرت في 19 فبراير الجاري إستراتيجية المغرب الاستباقية لمكافحة الإرهاب.

وتستهدف الجماعات الإرهابية المغرب ليس فقط لتعطيل المنطقة ولكن أيضًا كجزء من إستراتيجية أوسع لزعزعة استقرار دفاعات أوروبا. وباعتباره الحصن الأخير قبل شمال غرب أوروبا، فإن المغرب حيوي في تحييد تدفقات الجهاديين عبر الحدود. وقد أدى تعاونه مع أجهزة الأمن الإسبانية والأميركية والفرنسية إلى تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية. وتجسد أحدث عملية مشتركة بين الوكالات المغربية والإسبانية في نوفمبر 2024، والتي أجريت في تطوان ومدريد، تعاونًا أمنيًا استثنائيًا.

ومن الناحية الإستراتيجية يعد المغرب شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة في إطار برنامج مكافحة الإرهاب عبر الصحراء. وكان تبادل المعلومات بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أمرًا بالغ الأهمية في استباق التهديدات خارج حدود المغرب.

ويدرك المغرب أن مكافحة التطرف لا يمكن أن تعتمد فقط على التدابير الأمنية. وتجمع إستراتيجيته بين الوقاية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وتلعب مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة دورًا محوريًا في تعزيز شكل متسامح من الإسلام وتدريب الأئمة، في حين تعمل المبادرات الاقتصادية المختلفة على تعزيز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة الروايات المتطرفة.

ومع ذلك، فإن استمرار معاقل الإرهابيين في منطقة الساحل ومشاركة الجهات الفاعلة الخارجية -مثل مجموعة فاغنر- ما زالا يعرقلان مساعي الاستقرار الإقليمي. وسمح فشل التدخلات العسكرية التقليدية للجماعات الجهادية بترسيخ وجودها، ما يؤكد الحاجة إلى اليقظة المتزايدة والتحول في إستراتيجيات مكافحة الإرهاب. ويمتد نهج الأمن المغربي إلى ما هو أبعد من حماية الحدود لاحتواء التهديدات الإرهابية بشكل استباقي.

وأدى التعاون المستمر مع دول الساحل والوكالات الغربية إلى تعطيل سلاسل توريد الأسلحة المتعددة وشبكات التمويل التي تدعم العمليات الجهادية بين مالي والنيجر وليبيا. كما أدت عمليات مراقبة الحدود المعززة والمراقبة الجوية وتبادل المعلومات الاستخباراتية القوية إلى الحد بشكل كبير من عبور المقاتلين الأجانب من المغرب إلى الساحل.

◙ من خلال الدعوة إلى نهج شامل يدمج الأمن مع التنمية، يعيد المغرب تشكيل إستراتيجيات طويلة الأجل لمواجهة عدم الاستقرار في منطقة الساحل

إن نفوذ المغرب يمتد أيضًا إلى الساحات السياسية والدبلوماسية. ومن خلال الدعوة إلى نهج شامل يدمج الأمن مع التنمية، يعيد المغرب تشكيل إستراتيجيات طويلة الأجل لمواجهة عدم الاستقرار في منطقة الساحل. كما أدى التعاون الاقتصادي ومشاريع المساعدات الإنسانية في المناطق المعرضة للخطر إلى تقليص جاذبية الجماعات الجهادية بين المجتمعات المهمشة.

ومن خلال استهداف الهياكل المالية التي تدعم المنظمات الإرهابية لعب المغرب دورًا محوريًا في تفكيك شبكات التمويل السرية التي تمتد عبر المحافظات الجنوبية للمغرب وموريتانيا ومالي. وقد أدى تحسين القدرة على تتبع الأموال والتعاون الأقوى مع المؤسسات المصرفية الإقليمية إلى تحديد مصادر تمويل الإرهاب الرئيسية وحظرها، وبالتالي الحد من القدرة التشغيلية للجماعات المتطرفة.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن التهديدات غير المتكافئة تتطلب الابتكار المستمر واليقظة المتزايدة.

إن توسيع شبكات تبادل المعلومات الاستخباراتية رفيعة المستوى -على غرار إطار العيون الخمس- لتشمل المغرب هو توصية سياسية محددة يمكن أن تعزز بشكل كبير قدرات الأمن السيبراني والاستخبارات الكهرومغناطيسية. ولا تتطلب مكافحة الإرهاب القوة فحسب، بل تتطلب أيضًا مزيجًا من التقنيات التخريبية، والاستشراف الإستراتيجي، والتعاون متعدد الأطراف والقوي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: