إعلاميون مغاربة يطرحون حلولا لمواجهة معضلة الأخبار الكاذبة
المغرب ينخرط في مواجهة مفتوحة مع الأخبار الزائفة في ظل ما يطرحه انتشارها من تحديات وتضليل الرأي العام.
سلط كتاب وإعلاميون مغاربة الضوء على تداعيات انتشار الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الرأي العام باعتبار أنها أسرع انتشارا وضجة خصوصا مع ضعف الإعلام العمومي، مقترحين جملة من الممارسات للحد من هذه الفوضى.
وأكد الكاتب والصحافي عبدالله البقالي في ندوة “واقع الإعلام المغربي.. رؤية استشرافية” في مراكش أن “الخبر الزائف يصنع رأيا عاما، لأنه يتميز بسرعة الانتشار، وتكذيبه يحتاج إلى مجهود كبير، فإذا كنا نناضل في السابق من أجل الصحافة، وحرية النشر، فجزء كبير أصبح اليوم يشتكي مما يجري بسبب منصات التواصل الاجتماعي التي أضحت فضاء لبث الفوضى في ظل غياب الدور الحقيقي للإعلام العمومي، الذي يعد قاطرة التعددية، ما يطرح خطورة أكبر.”
وخلال مداخلته في الندوة الوطنية التي نظمتها جمعية الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة السبت، احتفاء بالإعلامي والكاتب عبدالعزيز كوكاس خلال توقيع مجموعة من مؤلفاته، أضاف البقالي أن “من أضرار التحولات الرقمية تعميق أزمة الثقة في المؤسسات وضعفها من قبيل الأسرة والمدرسة والفضاء العام، لذا فالبنية الإعلامية بالمغرب تواجه عدة تحديات، منها تراجع منسوب الثقة في المؤسسات السياسية وتراجع دور المثقف.”
وينخرط المغرب في مواجهة مفتوحة مع الأخبار الزائفة، في ظل ما يطرحه انتشارها من تحديات، وتضليل الرأي العام من خلال فبركة الأخبار والمعلومات وتزوير الوقائع والأحداث وما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على حياة الأفراد وعلى أمن واستقرار البلاد، دون أن تمس هذه الحرب من الحريات الإعلامية.

وعن الرؤية الاستشرافية، أوضح البقالي أنه “يصعب طرح ذلك بشكل نهائي لكن يمكن الحديث عنها على المدى القريب والمتوسط، من خلال تقنين التحولات بإصلاح منظومة القوانين بشكل مستمر، كما يجب الاشتغال على الضبط الأخلاقي، عبر احترام الضوابط الاجتماعية، وتنشئة الطفل على كيفية التعامل مع الإعلام، وتعريفه بماهية الجريدة وكيفية صناعة الخبر، والتكوين المستمر للموارد البشرية، ودعم الإعلام وفق دفتر تحملات واضح ودقيق.”
وتسعى السلطات عبر اتخاذ إجراءات قانونية لمحاربة التضليل والأخبار الكاذبة والشائعات والاعتداء على الخصوصية عبر الفضاء الرقمي، حيث سن المشرع المغربي مواد قانونية لمواجهتها، إذ تنص المادة 447 – 2 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية على كل من قام بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
وأوضح عبدالعزيز كوكاس أن “الحديث عن الإعلام يطرح معضلة اللغة؛ لم تعد قادرة على التعبير عما يحدث اليوم، فالكلمات التي نعتمدها للتعبير عن الأشياء تخوننا، لأننا نعيش في لحظة انهارت فيها كليا القيم الكبرى والأيديولوجيات، ونحيا زمن اللايقين، والعالم كله يعيش قلق الإعلام فأزمتنا جزء من أزمة كلية.”
وتابع كوكاس “الفضاء العام كان يتكون من النخبة السياسية والمثقفين، واليوم أصبح مفتوحا أمام العوام الذين أصبحوا يفهمون في كل شيء، ولهم ملايين من المتابعين، ما يشكل ضربة قوية لضوابط الإعلام العمومية التي كانت أفقية منضبطة، لكنها انهارت وأضحت عمودية مع منصات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح البعض، الذي لم يسبق له أن حصل على تكوين في مجال الصحافة وأخلاقها، يقوم بكل المهام.”
وأشار إلى أن “الإنسان يعيش اليوم في زمن افتراضي، والأبناء أضحوا مرتبطين بزمان آخر، لأن المتحكم في الإعلام ليس وطنيا، في وقت لا زال النضال بالمغرب يحوم حول تنزيل قانون الوصول إلى المعلومات، التي يعاني الصحافي الويلات دون الوصول إليها، وجمهور كبير يفتقر إلى المناعة، منه فئات تملك قدرة معرفية لكنها تصدق كل ما يتم الترويج لدى على منصات التواصل الاجتماعي، أو تطبيق واتساب، دون تمحيص وشك.”
واقترح كوكاس كمحاولة لمعالجة وضع الإعلام بالمغرب، “جعل مسألة الإعلانات أكثر شفافية، ومعالجة ضعف أجور الصحافيين والدعم الذي أنتج ثلة من الأثرياء وجيش من الفقراء من الصحافيين، وضرورة معالجة ضعف التمويل والاستقلال المالي للمؤسسات، لأن البنية الإعلامية تفتقر إلى نموذج مقاولاتي ناجح،” كما دعا إلى “دعم استقلال الخطاب الإعلامي وتطويره،” مؤكدا أهمية التكوين المستمر، والاستثمار في الرقمنة.
◙ الإعلام في المغرب يحظى بموقع دستوري مهم تطورت مكانته على مر التاريخ، علاقة بمختلف المراجعات الدستورية
وأشارت ورقة للمنظمين إلى أن “الإعلام في المغرب يحظى بموقع دستوري مهم، تطورت مكانته على مر التاريخ، علاقة بمختلف المراجعات الدستورية التي عاشها المغرب، حيث أفردت الدساتير المغربية مواد وفصولا للإعلام منذ النشأة الدستورية الأولى، أي منذ مشروع دستور 1908 إلى الدستور الجديد لسنة 2011.”
وأضاف المصدر أن “الواقع الإعلامي المغربي يعكس تطورًا مستمرا وتنوعًا في مجالات الإعلام، من الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون إلى الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يجابه في الآونة الأخيرة تحديات كبرى، بعد إنهاء الدولة لاحتكار القطاع بإحداث الهيئة العليا للسمعي البصري سنة 2002، ووضع مجموعة من القواعد العامة والضوابط الأساسية الساعية إلى هيكلة وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري.”
وأكدت الورقة أن “المغرب اليوم يقف أمام دكاكين إعلامية، مما استدعى تدخل الدولة مرة أخرى بإحداث قانون جديد رقم 88.13 للصحافة والنشر، نشرته الحكومة المغربية في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 أغسطس 2016، غير أن هذه المجهودات كلها لم تؤت بعد ثمارها، وغير كافية لتقنين هذا المجال وضبطه، حيث غدت الساحة الإعلامية مرتعا لكل الأقلام، وبيتا لكل ضال، ومهنة من لا مهنة له.”
وأكد المنظمون أن “الصحافة المغربية تُظهر التوازن بين وسائل الإعلام العامة والخاصة، ويعتبر الإعلام العام في المغرب تحت إشراف الدولة ويمثل قناة حيوية لنقل وجهات نظر رسمية، بينما تساهم القنوات الخاصة في تقديم محتوى متنوع وأكثر استقلالية في بعض الأحيان،” مضيفين أن “الإعلام المغربي يشهد تحولا نحو المزيد من التنوع والانفتاح على العالم الرقمي، ولكن ما زال يواجه تحديات تتعلق بحرية التعبير والتمويل والاستقلالية وأخلاقيات المهنة.”