طرد بوليساريو من الاتحاد الأفريقي: مطلب عموم أفريقيا

البراق شادي عبد السلام

فوز الجزائر بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ذي الصبغة الإدارية والتقنية عن دول شمال أفريقيا لا يشكل بأيّ حال من الأحوال تهديدا للأمن القومي المغربي، كما يتوهم أنصار النظام الجزائري. بل هو بداية فصل آخر من المواجهة المغربية – الجزائرية التي أصبحت جزءا من العمل الميداني الذي يقوم به رجال المغرب بمسؤولية والتزام في ردهات الاتحاد الأفريقي، وتفرض على جهاز الدبلوماسية المغربية والمؤسسات الإستراتيجية خوض غمارها متسلحة بقيم الجدية والمسؤولية، حفاظا على تموقع المملكة المغربية الجيوسياسي المتقدم في القارة الأفريقية، بعيدا عن منطق الوصاية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

المملكة المغربية لم تكن يوما ضد مصالح الشعب الجزائري الشقيق ولم تقف يوما ضد طموحاته. والتاريخ القريب يذكر بفخر كيف فتحت المملكة حدودها ومخازن سلاحها لتتحول إلى مراكز عمليات متقدمة لجبهة التحرير الجزائرية. وكانت الدولة الأولى التي ترافعت عن استقلال الجزائر في منصة الأمم المتحدة، وهي من وفرت الغطاء الدبلوماسي لمشاركة الوفد الجزائري في أشغال الدورة الأممية الحادية عشرة التي انعقدت في نهاية عام 1956، حيث أبلغ الحسن الثاني في لقاءاته مع الحكومة الفرنسية، مبعوثا من محمد الخامس لمناقشة القضية الجزائرية، بأن المغرب سيقف إلى جانب الجزائر. وفي هذا الإطار، أوصى محمد الخامس وفده المتجه إلى نيويورك للمشاركة في الدورة أن يصوّت ضد فرنسا عند عرض القضية الجزائرية للتصويت بتاريخ 12 نوفمبر 1956. كما أن محمد الخامس أصر على مشاركة وفد الثورة الجزائرية في مؤتمر أقطاب أفريقيا في الدار البيضاء في يناير 1960، الذي يعتبر النواة الأولى لسلسلة من عمليات قادت إلى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، وتم التأكيد على حق الشعب الجزائري في تقرير المصير.

◄ مجموعة من الدول الأفريقية الشريكة مطالبة اليوم بتقديم موقف واضح وصريح ومسؤول بشكل جدي ودون مواربة وغير قابل للتأويل حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية

طوال عقود من الغياب المغربي الاضطراري عن هياكل الاتحاد الأفريقي، كانت الجزائر ومن ورائها صنيعتها بوليساريو تدبج القرارات وتحاول يائسة فرض واقع سياسي أفريقي يستهدف مصالح المملكة ووحدتها الترابية. وكانت الدولة المغربية رغم غيابها تقوم بإدارة الوضع وفق تقدير موقف دقيق لنزع الألغام التي تزرعها في كل دورة أفريقية الجزائر ونظام القذافي وجنوب أفريقيا، مستغلين غياب المغرب لمحاولة تمرير قرارات ومواقف أفريقية تستهدف الوحدة الترابية للمملكة.

في سنة 2014، الاتحاد الأفريقي عيّن خلال قمته الثالثة والعشرين لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية، التي نظمت بمدينة مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، رئيس الموزمبيق الأسبق جواكين شيسانو ممثلا خاصا للاتحاد في الصحراء المغربية، في خطوة اعتبرت تهديدا خطيرا لمساعي الأمم المتحدة لحل النزاع الإقليمي المفتعل سياسيا وتفاوضيا. وبالفعل لم تدم تجربة شيسانو طويلا، وسرعان ما تحوّل منصبه الصوري والوهَمي إلى أحد عوامل تحفيز الصراع في القارة، ليتكرس القرار الأفريقي خلال القمة الـ31 التي عقدت في موريتانيا في يوليو 2018، حيث أصدر الاتحاد الأفريقي قراره التاريخي باعتبار الأمم المتحدة هي المسؤول الوحيد عن إدارة النزاع الإقليمي المفتعل.

بالعودة إلى تاريخ النضال المغربي من أجل تكريس مغربية الصحراء والدفاع عن المقدسات الوطنية في المنتظم الأفريقي، نعود إلى سنة 1978 في اجتماع بالعاصمة السودانية الخرطوم، حيث أصدرت منظمة الوحدة الأفريقية قرارها بتأسيس لجنة خاصة «AD-HOC» من أجل تتبع تطورات نزاع الصحراء المغربية. حيث مرت سنوات أفريقية عصيبة جدا استهدفت فيها الوحدة الترابية للمملكة المغربية بشكل مباشر من طرف قوى أفريقية بتحريض من الجزائر وليبيا، وانتهت بإقحام عضوية ميليشيا بوليساريو في هياكل منظمة الوحدة الأفريقية بضغط من الجزائر ونظام القذافي في ليبيا باستخدام الرشاوى واستغلال ظروف الحرب الباردة.

بتاريخ 23 يونيو 1980، تقدمت الجزائر بطلب قبول ما سمي “الجمهورية الوهمية” بالمنتظم الأفريقي، وهو الموضوع الذي سيكون موضع نقاش أثناء المؤتمر الأفريقي 17 الذي جرت أطواره بفريتاون في سيراليون ما بين 1 و4 يوليو 1980، حيث قاطعته مختلف الدول الأفريقية تضامنا مع المملكة المغربية، إذ لم يتجاوز الحضور 24 من رؤسائها وحكوماتها.

في فبراير 1982، أثناء اجتماع اللجنة الأفريقية للمتابعة، أعلن الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية إديم كودجو عن انضمام “الجمهورية الوهمية” كعضو كامل العضوية في المنتظم الأفريقي، وبذلك يصبح عدد أعضاء المنظمة 51 عضوا. وأمام هذه المبادرة، صدرت ردود أفعال مختلفة ومتناقضة، فقد عبّر رئيس منظمة الوحدة الأفريقية الرئيس الكيني السابق دانيال أراب موي أن مبادرة الأمين العام الإداري باطلة ولا يمكن أن تنتج أيّ أثر. كما عبّر الكثير من وزراء خارجية الدول الأفريقية عن دهشتهم عند مفاجأتهم بحضور ميليشيا بوليساريو في الاجتماع، معتبرين هذا القرار غير شرعي بل أدّى إلى انسحاب أكثر من 19 دولة أفريقية، حيث اعتبر حينها قرارا جائرا وخرقا سافرا لميثاق الوحدة الأفريقية.

◄ الملك محمد السادس أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية

رغم تسلل ميليشيا بوليساريو إلى هياكل منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي فيما بعد، فقد ظلت أغلب الدول الأفريقية على قناعة راسخة بعدالة الموقف المغربي. وظل التعامل مع عناصر الميليشيا (أفريقيا) يتسم بالكثير من الحذر والإحراج، لإدراك مختلف الدول الأفريقية وشعوبها لطبيعة النزاع المفتعل ولبطلان دفوعات الميليشيا وصانعتها الجزائر.

اليوم بفضل إصرار المملكة المغربية على الدفاع عن مقدساتها الوطنية ووحدتها الترابية داخليا وخارجيا، إقليميا وقاريا ودوليا، استطاعت الدبلوماسية المغربية تغيير موازين القوى المرتبطة بميكانيزمات الصراع. وبفضل الدبلوماسية الملكية التي أسست للسياسة الأفريقية الجديدة للمغرب من خلال أكثر من 51 زيارة قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الدول الأفريقية بين 2009 و2017، والنجاح الإستراتيجي لنهج دبلوماسية القنصليات والمبادرات/الحلول التي تقدمها المملكة للإشكالات والتحديات التي تواجه محيطها الإقليمي والقاري والدولي. سواء مسلسل الرباط للدول الأطلسية وهي المبادرة التي تهدف إلى بناء جسور مستدامة للتواصل الحضاري بين ضفتي المحيط الأطلسي بما تحمله من فرص تنموية واعدة، أو المبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، والمشروع العملاق المهيكل المتمثل في أنبوب الغاز الأفريقي – الأطلسي (المغرب – نيجيريا)، والذي يشكل فرصة تنموية هائلة ومتفرّدة لأكثر من 340 مليون أفريقي.

تطرح المملكة من خلال هذه المشاريع والمبادرات دفتر تحملات إقليمي يحوّل المملكة المغربية، كما كان وضعها التاريخي قبل قرون خلت، إلى حاضنة إستراتيجية تدعم طموحات شعوب شمال أفريقيا وغربها في الحرية والسيادة والتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي والأفريقي. وتؤكدها حقيقة دبلوماسية تتمثل في انتخاب المغرب لولايتين متتاليتين، لمدة سنتين ثم ثلاث سنوات على التوالي (2018 – 2020 ثم 2022 – 2025)، لعضوية مجلس السلم والأمن، مما يعكس الثقة والمصداقية والتقدير والاعتراف الذي تحظى به الإستراتيجية الأفريقية للرؤية الملكية للملك محمد السادس، والجهود التي تحققت تحت إشرافه كرائد للعمل الأفريقي المشترك لتمكين أفريقيا من الثقة بإمكانياتها وبناء مستقبل واعد لشعوبها.

◄ الدولة المغربية كانت رغم غيابها تقوم بإدارة الوضع وفق تقدير موقف دقيق لنزع الألغام التي تزرعها في كل دورة أفريقية الجزائر ونظام القذافي وجنوب أفريقيا، مستغلين غياب المغرب

ساعة الحسم السياسي مع ميليشيا بوليساريو أصبحت قريبة جدا، وحقيقتها كجماعة إرهابية أصبح من الصعب إخفاؤها بالشعارات الرنانة والأكاذيب والحروب الإعلامية الفاشلة. اليوم، المملكة المغربية تقدم في الأقاليم الجنوبية نموذجا تنمويا واعدا انتقل بالصحراء المغربية من مداشر صغيرة وخيام في الصحراء إلى مدن عصرية ببنية تحتية متكاملة ومستدامة، وموانئ ومطارات دولية تضع الإنسان كأولوية أساسية في التنمية.

المملكة المغربية كقوة إقليمية في منطقة غرب المتوسط وشمال غرب أفريقيا والساحل، وكشريك أساسي في الحفاظ على الأمن الإقليمي بتعدد المخاطر والتحديات، تفرض رؤيتها الخاصة المرتبطة بسيادتها الكاملة وبأمنها القومي والأمن الإقليمي. ولن تسمح لأيّ جهة بالعبث معها أو التلاعب بموقفها من الصحراء المغربية لابتزاز المغرب وفرض أجندتها الخاصة عليه.

مجموعة من الدول الأفريقية الشريكة مطالبة اليوم بتقديم موقف واضح وصريح ومسؤول بشكل جدي ودون مواربة وغير قابل للتأويل حول الوحدة الترابية للمملكة المغربية، لأنها أصبحت تشكل منعطفا أساسيا في ترسيخ المسار الدبلوماسي مع أيّ دولة في العالم. المنطقة الرمادية أصبحت متجاوزة والمواقف المرتعشة غير مقبولة من طرف العاصمة الرباط. اليوم هناك واقع جيوسياسي جديد تكرسه الوقائع على الأرض، التي تتمثل في نجاعة إستراتيجية الاستقرار بالتنمية التي أصبحت ورقة أساسية في ترافع المملكة المغربية من أجل الدفاع عن وحدتها الترابية. الملك محمد السادس أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة تقوية الجبهة الداخلية من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالانخراط الجدي والمسؤول للقوى الحية في المجتمع المغربي، من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل التعبئة الشاملة للتصدي لكل مناورات خصوم الوحدة الترابية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: