أزعجت زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي إلى الصحراء المغربية السلطات الجزائرية، وصنفتها ضمن تصعيد استفزازي ضدّها، معتبرة أنها تشكل استخفافا سافرا بالشرعية الدولية، وهو ما يؤكد انخراطها في دعم الطرح الانفصالي.
اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي إلى مدينتي العيون والداخلة في الصحراء المغربية “خطوة استفزازية، تستدعي الشجب والإدانة على أكثر من صعيد،” لافتة أنها “تشكل استخفافا سافرا بالشرعية الدولية.”
وقال بيان الخارجية الجزائرية إن “الزيارة التي قام بها عضو من أعضاء الحكومة الفرنسية إلى الصحراء الغربية أمر خطير للغاية، فهي تستدعي الشجب والإدانة على أكثر من صعيد، كونها تنم عن استخفاف سافر بالشرعية الدولية من قبل عضو دائم في مجلس الأمن الأممي.”
وأكدت الوزيرة الفرنسية في زيارتها أن “المغرب لم يكن في حاجة لانتظار فرنسا من أجل تنمية أقاليمه الجنوبية،” مشيرة إلى أن “مستوى التطور الذي شهدته المنطقة مثير للإعجاب، وأن الجميع يمكنه ملاحظة حجم التنمية والتطور في الأقاليم الجنوبية، سواء على مستوى البنية التحتية أو التجهيزات العمومية والثقافية، وقد أدهشني هذا التقدم بشكل كبير، أن التنمية في الصحراء المغربية تشمل مختلف القطاعات، من الطاقة والاقتصاد إلى مشاريع الطاقات المتجددة، والزراعة، والصيد البحري، ما يجعلها مناطق مزدهرة ومليئة بالإمكانات.”
واعتبرت داتي، خلال ندوة صحفية عقدت الثلاثاء في الرباط مع نظيرها المغربي المهدي بنسعيد، أن “فتح التمثيليات الدبلوماسية يفرض تطوير قاعدة سكانية تولد احتياجات قنصلية، وفي الوقت الراهن، هذا الأمر ليس مطروحا بالنسبة إلى فرنسا.”
وأشارت إلى أن “الأمور ستتطور مع الوقت، والتوقيع مؤخرا على اتفاقيات لنقل امتحانات البكالوريا إلى الداخلة والعيون يشكل علامة مهمة على التقارب بين البلدين، كما أن زيادة أعداد الشركات الفرنسية المستقرة في الأقاليم الجنوبية، سيرفع من عدد السكان الفرنسيين وبالتالي فإن الحاجة إلى فتح قنصلية فرنسية سيكون أمرا مفهوما.”
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تشكّل إشارة واضحة لتوجه باريس نحو تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع الرباط، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والثقافي، بل أيضا في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية ذات الأولوية، ولهذا شددت رشيدة داتي على أن “المجال الثقافي يعد من أسس الشراكة المغربية الفرنسية، وانطباعي مليء بالمشاعر والمسؤولية، وأن هذا التطور يلزمنا نحن الفرنسيين، خاصة المهتمين بالمغرب، بدعم هذه الجهود.”
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيسِ المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “بيان الخارجية الجزائرية يفضح تورط النظام الجزائري في هذا النزاع المفتعل باعتبارها طرفا رئيسيا معنيا ويكشف عن احتراق المشروع الانفصالي الذي بات مُتجاوزا واحتراق كافة أوراق الضغط التي كانت لدى بوليساريو، لاسيما التهديد بالحرب المزعومة في سياق التطورات التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، والنظام الجزائري لم يعد يصعّد فقط ضد المغرب عبر البيانات وإغلاق الحدود والأجواء وقطع العلاقات، بل حتى ضد حلفاء المملكة والشركاء الإستراتيجيين الداعمين لقضية الوحدة الترابية مثل فرنسا.”
وأوضح أن “الجزائر باتت تخرج بوجه مكشوف كطرف رئيسي في النزاع ومقوض لأيّ جهود والمساعي التي يبذلها المجتمع الدولي والاستجابة للنداءات المتتالية للأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة المشاركة الجادة في طاولة الحوار، كما تتنكر لمسؤوليتها القانونية والأخلاقية عبر التصعيد العبثي الذي يشمل المملكة وداعميها من القوى الدولية، وسبق لها أن قامت بخطوة مشابهة ضد إسبانيا بعد اعتراف مدريد بسيادة المغرب على صحرائه، وبعدها اضطرت الجزائر إلى إعادة العلاقات دون أن تستطيع التأثير في قرار الحكومة الإسبانية بشأن الصحراء المغربية.”
وجاءت تصريحات رشيدة داتي عكس ما ذهبت إليه الجزائر عندما اعتبرت زيارة داتي تكرس “سياسة الأمر الواقع المغربي” في الصحراء المغربية، التي تصفها بأنها “إقليم لم يكتمل بعد مسار تصفية الاستعمار به،” كما ادّعى البيان الجزائري أن هذه الزيارة “تعكس صورة مقيتة للتضامن بين القوى الاستعمارية قديما وحديثا،” في انتقاد واضح لفرنسا.
وأشارت الوزيرة الفرنسية إلى أنها زارت مدينة الداخلة، حيث شاهدت مقطع فيديو قصيرًا بعنوان “تأملات”. وقالت “لو كان عليّ اختيار كلمة واحدة لوصف هذه المنطقة، لاخترت ‘تأملات‘، فقد كان الفيديو مؤثرًا، خاصة في لحظاته الأخيرة عندما رُفعت الراية المغربية، وهو مشهد يبعث على الكثير من المشاعر ويعكس الروابط العميقة التي تجمعنا بالمغرب، وبالأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص.”
ويأتي هذا الموقف الجزائري في سياق ديناميكية دبلوماسية جديدة بين المغرب وفرنسا، حيث أورد الشرقاوي الروداني، خبير في الدراسات الإستراتيجية، أن “الجزائر تنظر إلى الدور التنموي للمغرب بالأقاليم الجنوبية بعين الريبة، وتسعى إلى تقويض كل الشراكات مع دول صديقة وشريكة بكل الوسائل الممكنة،” لافتا إلى أن “التوجه الجزائري ليس جديدا، بل هو جزء من إستراتيجية طويلة الأمد لعرقلة السيادة المغربية والنفوذ في العمق الأفريقي.”
وفي أكتوبر الماضي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة دولة إلى المغرب تأييد بلاده “لسيادة” المملكة على هذه المنطقة.
كما وقّعت شركات فرنسية خلال تلك الزيارة نحو 40 عقدا أو اتفاق استثمار مع شركاء مغاربة لإنجاز عدة مشاريع، بعضها في الصحراء المغربية.