جمعت مراكش خلال فعاليات الدورة الرابعة للمؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية، قادة السياسة والاقتصاد وخبراء الصناعة لإجراء مناقشات رفيعة المستوى حول تحديات السلامة الطرقية في خطوة لتأسيس منصة عالمية لتبادل التقنيات والمعارف في مجال الأمن الطرقي وربطه بالتكنولوجيات المتطورة والأمن السيبراني.
ويضم المؤتمر الذي بدأ أعماله الثلاثاء، ورشا إستراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة، بهدف اقتراح تدابير وحلول ملموسة لمواجهة تحديات السلامة الطرقية، وتشكل السياسات العمومية والحكامة محور المناقشات المطروحة على جدول أعمال المؤتمر، مع التركيز على وضع أطر تشريعية ناجعة، والابتكار التكنولوجي واستكشاف إمكانات المركبات ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، للوقاية من حوادث السير وتحسين السلامة الطرقية.
وسيناقش هذه التحديات أكثر من 2700 مشارك من 193 بلدا، ومساهمة 260 متحدثا على مدى ثلاثة أيام، منهم وزراء ورؤساء وكالات السلامة على الطرق الوطنية ومسؤولون حكوميون وممثلون عن السلطات على جميع المستويات، بالإضافة إلى البرلمانيين وخبراء الأمم المتحدة والمجتمع المدني، وكذلك مجال المال والأعمال والأوساط الأكاديمية وشركات كبرى في مجال النقل والبنية التحتية.
وفي مداخلته، نوه رئيس الحكومة عزيز أخنوش بأن “المغرب ومن منطلق انتمائه الأفريقي، يتطلع إلى تحسين مؤشرات القارة وهو ما سيساعدها بلا شك على تسريع وتيرتها التنموية، وبذلك فإن المملكة مستعدة لتقاسم تجربتها في التدبير المؤسساتي للسلامة الطرقية، خاصة في ما يتعلق بإدماج التكنولوجيا الحديثة، والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.”
ودعا أخنوش إلى توحيد الرؤى وتعزيز الجهود والتعاون الدولي وتبادل الخبرات والإستراتيجيات الفعالة، مع استثمار أهداف التنمية المستدامة في سبيل إرساء قواعد المنظومة الآمنة التي تضع الإنسان والسلامة ضمن الركائز الأساسية لمنظومة التنقل المستدام.
يتطلع المغرب باعتباره نموذجا إقليميا في مجال تدبير مخاطر الطرق من خلال هذا المؤتمر الوزاري، إلى تعزيز الحلول المبتكرة وتحفيز التعاون في هذا المجال على المستوى الدولي، ولأول مرة تم إحداث جائزة مرموقة بقيمة 250 مليون دولار برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس تحمل اسم جائزة الملك محمد السادس الدولية للسلامة الطرقية، ومُنحت مناصفة بين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسلامة الطرقية جون تود، الذي اعتلا منصة قصر المؤتمرات في مراكش لتسلُّمها، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تقديرا “لإسهاماتهما البارزة في تعزيز السلامة المرورية عالميا”.
وارتباطا بملف الأمن السيبراني ومجال السلامة الطرقية أكد هشام معتضد، الباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمنية، في تصريحات لـه، على ضرورة تحقيق السيادة الرقمية من خلال سياسات تنظم الاستخدام الرقمي وتؤطر الحماية السيبرانية، ما يتطلب تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني وتبادل المعلومات والخبرات لتقوية السياسات الوطنية والالتزام بالمعايير الدولية لحماية البيانات الشخصية.
ويطرح بقوة أمام المسؤولين بهذا المؤتمر، تحدي الأمن السيبراني وعلاقته بالأمن الطرقي حيث تستخدم المركبات الحديثة الذكية شبكات اتصال لاسلكية مختلفة وهو ما يرتبط بمخاوف تتعلق بالأمن السيبراني، فمع استمرار تطورها ودمج المزيد من التقنيات الحديثة ينمو خطر الهجمات السيبرانية بنحو كبير، فالمركبات الحديثة المجهزة بأنظمة مساعدة السائق المتقدمة ومزايا القيادة الذاتية معرضة بنحو خاص لخطر توقف محرك سيارتك أو خروج نظام التوجيه عن السيطرة.
وأمام هذه المؤشرات والتحديات أشار حسن خرجوج، المختص في التطوير الرقمي والأمن المعلوماتي، في تصريح لـه، إلى أن البنية الرقمية لعدد من المؤسسات، بما فيها العمومية المرتبطة بالنقل، تظل بحاجة إلى إعادة تأهيل في مجال الأمن المعلوماتي، وحماية رقمية لقواعد بياناتها كما يجب لأجل سلامة الجميع.
وفي إطار الجهود المغربية في مسار الانتقال الرقمي وربطه بالسلامة الطرقية، تمت مواكبة العمل بالنظام المعلوماتي المتكامل والمندمج الخاص بملفات حوادث السير على المستوى الوطني، بتأهيل هذه المصالح وتزويدها بالوسائل المعلوماتية والموارد البشرية الكفيلة بإنجاح الورشات الرقمية، التي تدخل في إطار إستراتيجية التحول الرقمي الذي تنخرط فيه المديرية العامة للأمن الوطني، باعتبارها مرفقا خدماتيا بامتياز.
ويراهن المشاركون في المؤتمر على استغلال الفرصة من أجل إجراء تقييم للتقدم المحرز على مستوى خطة عمل الأمم المتحدة من أجل السلامة الطرقية 2021 – 2030، مع خمس سنوات فقط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما سيناقشون تحديد الأولويات، وتبادل المعرفة، وتعزيز التحالفات، ودفع الالتزامات والإجراءات لمنع الوفيات والإصابات الخطيرة على طرق العالم.
ويُعد المؤتمر بمثابة منصة إستراتيجية لتبادل الأفكار والحلول الفعالة للتهديدات الناشئة والمستقبلية المرتبطة بتحديات الطرق للحد من حوادث السير، لاسيما في ظل تزايد المخاطر المرتبطة بازدياد عدد المركبات والتوسع الحضري السريع، ومع التوصيات التي ستصدر عن هذه الدورة، من المرتقب أن تتجه الدول المشاركة نحو تبني سياسات أكثر شمولية ودمجا لفئة الشباب، باعتبارهم شريكا إستراتيجيا في تحقيق أهداف السلامة الطرقية.
ودعا عبدالصمد قيوح، وزير النقل واللوجستيك، في مداخلته جميع الفاعلين في المجال إلى تنسيق أفضل للجهود لضمان أن لا تبقى الالتزامات التي سيتم التعهد بها خلال المؤتمر مجرد وعود على الورق، بل تُترجم إلى إجراءات عملية ملموسة على أرض الواقع.
وسيتم تنظيم عدة تظاهرات موازية لإغناء هذه الدورة من المؤتمر، إضافة إلى الجائزة الدولية للاختراع والابتكار التقني لتقوية السلامة الطرقية، التي أثارت اهتماما كبيرا مع تقديم أكثر من 136 مشروعا، كما سيشكل “إعلان مراكش”، الذي سيتوج أشغال هذا المؤتمر، أرضية لإعداد قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يهم السلامة الطرقية، والذي سيعتبر خارطة طريق لتحقيق هدف عقد العمل للسلامة الطرقية المتمثل في تخفيض عدد الوفيات بنسبة 50 في المئة في أفق سنة 2030.