الجزائر: حرب إعلامية أم فشل سياسي؟ تفكيك أكاذيب النظام العسكري

في أحدث محاولة من النظام الجزائري لتبرير فشله المتواصل على جميع الأصعدة، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية مقالا مطولا يدعي تعرض البلاد لما وصفته بـ«حرب إعلامية قذرة» تقودها المغرب وفرنسا، متهمة ما سمته «محور الشر» بإدارة حملات تضليل إعلامي واسعة النطاق ضد الجزائر. هذا البلاغ، الذي جاء مشبعا بنظرية المؤامرة ومحشوا بمصطلحات عسكرية، يعكس محاولة واضحة لتصدير أزمات النظام الداخلية وإلقاء اللوم على جهات خارجية للتغطية على فشل السياسات التنموية والاقتصادية التي أغرقت البلاد في الفقر والتخلف.

يردد المغاربة مثلا شعبيا يقول: «ما كايعاود الديب غير لي دار»، أي أن الذئب حين يتحدث فإنه لا يحكي إلا عن الفظائع التي ارتكبها، وهذا المثل ينطبقا تماما على النظام الجزائري، الذي يتوهم أن ما يمارسه هو في غرف الثكنات المظلمة ضد جيرانه، يقوم بمثله الآخرون ضده.

بين نظرية المؤامرة وتبرير الفشل

بلاغ وكالة الأنباء الجزائرية، وهو بالمناسبة لا يمت لأخلاقيات الصحافة بأية صلة، يتحدث عن «غرف مظلمة» و«جيوش من الصحفيين» و«خوارزميات مشبوهة»، في محاولة يائسة لتصوير الجزائر كضحية لمؤامرة دولية تُدار «بميزانيات دول ومن عواصم عدة».

والغريب في الأمر أن هذه المزاعم تأتي في وقت يعرف فيه الجميع أن النظام الجزائري نفسه هو من يتقن فن «الحروب الإعلامية» عبر جيوش من الحسابات الوهمية التي تنشط ليل نهار لنشر أخبار مضللة، ليس فقط ضد المغرب، بل أيضا ضد شعوب ودول أخرى في المنطقة.

إنه أسلوب كلاسيكي تلجأ إليه الأنظمة المستبدة حين تعجز عن تلبية تطلعات شعوبها. فبدلا من معالجة القضايا الحقيقية التي يعاني منها المواطن الجزائري كالبطالة، تردي الخدمات، وانعدام الحريات.. يختار النظام شماعة «العدو الخارجي» لتبرير إخفاقاته، حيث يعمد إلى استخدام هذه الفكرة لإقناع الشعب الغارق في الفقر بأن مشاكله ليست سوى نتيجة تدخل خارجي.

والحقيقة أن السبب الجوهري يكمن في فشل النظام في تحقيق التنمية، واستنزاف موارد البلاد لتغذية الصراعات الإقليمية وصرف الأموال في سبيل تعزيز قبضته على السلطة.

بلاغ عسكري بواجهة إعلامية

من الواضح أن البلاغ الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية لم يحرره صحفي محترف، بل جندي مبتدئ تحت إمرة جنرال طاعن في السن متشبّع بنظرية المؤامرة. فقد خط المقال بمحبرة ملآى بالسوداوية التي تعشش في رؤوس قادة نظام عسكر الجزائر.

لذلك فمن يقرأ نص البلاغ يدرك فورا أنه كتب بأسلوب عسكري بعيد كل البعد عن المهنية الإعلامية. فالمصطلحات المستخدمة مثل «جيوش الصحفيين»، «الكتائب»، «الترسانة»، «الأجندات»، «التصدي»… تعكس الخلفية العسكرية لكاتب البلاغ، وتؤكد أن هذه الرسائل تُصاغ في غرف الثكنات وليس في قاعات تحرير مؤسسات صحفية مستقلة.

ادعاءات بلا أدلة

يدعي النظام بتبجح، عبر بلاغه، امتلاكه «تطبيقات عملية ذات تقنيات عالية» لرصد الأخبار الكاذبة ومواجهة ما يصفه بـ«الحرب الإعلامية». لكن ما يغفل عنه النظام المتخلف، أو يتحاشى ذكره، هو أن هذه «التقنيات» لا تتعدى في الواقع أساليب القمع البدائية من خلال حجب المواقع الإلكترونية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الحقيقة وتنتقد النظام، وملاحقة وسجن كل صوت يغرد خارج سرب النظام.

وهذه الممارسات ليست سوى دليلا إضافيا على عجز النظام عن مواجهة الانتقادات بشفافية ونقاش صريح، بعيدا عن لغة القمع التي لا يتقن نظام الجنرالات العجزة غيرها.

حجب الحقيقة لا يخفيها

رغم محاولات النظام الجزائري للتضييق على حريات التعبير وحجب المواقع والصفحات الإلكترونية التي تفضح فساده وانتهاكاته، إلا أن الحقيقة مثل الشمس الساطعة لا يمكن حجبها بالغربال. بل يشاء القدر أن تكون الانترنيت، وخاصة منصات التواصل الاجتماعي التي حاول النظام جاهدا السيطرة عليها بحجبها أو اعتقال مسيريها، هي نفسها الأداة التي استخدمها الشعب الجزائري لرفع صوته والمطالبة بإنهاء حكم العسكر وعودته إلى الثكنات. ووسم «#مانيش_راضي» لا يزال شاهدا على الرفض الشعبي المتزايد لنظام يستمر في إغراق بلاده في الأزمات.

وهكذا، لا يمكن للنظام الجزائري أن يستمر في خداع الشعب إلى ما لا نهاية. فالحقائق التي يحاول التستر عليها ستظل تلاحقه، وسيبقى الشعب الجزائري هو الحَكَم الحقيقي على مصير من يحكمه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: