الإصلاح الضريبي أولوية المغرب لامتصاص اقتصاد الظل

تبدي الحكومة المغربية إصرارا كبيرا على التقليص من حجم الاقتصاد الموازي من خلال سن تشريعات ضريبية لتجديد روح القوانين المالية المتعاقبة بهدف إدماج هذه السوق في القنوات الرسمية، باعتبار أن هذا الإصلاح من أبرز الخطوات لتعزيز أداء الاقتصاد.

يعتزم المسؤولون في المغرب القيام بالمزيد من الإجراءات للارتقاء بالنظام الضريبي بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة كونه مدخلا مهما لامتصاص الاقتصاد غير الرسمي.

وأكد الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع أمام مستشاري الغرفة الثانية للبرلمان أن الحكومة مهتمة بمواصلة الإصلاح الضريبي ومكافحة الاقتصاد الموازي خلال ما تبقى من عمر الفترة الحالية لحكومة عزيز أخنوش.

واعتبر خلال مداخلة قبل أسبوع أن القطع مع القطاع غير المنظم لا يعني التعامل معه بمنطق العقوبة وإنما بأسلوب المواكبة إلى أن يصبح قطاعا مهيكلا ومنظما ينتج قيمة مضافة إضافية تعود بالنفع على الجميع.

وأورد لقجع، في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين الثلاثاء، أن التفعيل الإرادي للإصلاح الضريبي مكن من تسجيل تطور مستمر وكبير للمداخيل الجبائية.

وارتفعت حصيلة الضرائب التي تجنيها الدولة من 199 مليار درهم (19.2 مليار دولار) في العام 2020 إلى 300 مليار درهم (نحو 29 مليار دولار) بنهاية العام الماضي.

 

فوزي لقجع: الإصلاح مكن من تسجيل تطور مستمر في مداخيل الجباية

ومن المتوقع أن تواصل هذه الحصيلة منحاها الصعودي هذا العام باعتبارها فرصة لإدماج العديد من الأنشطة في السوق الموازية.

وبخصوص التسوية الطوعية في ميزانية 2024، أوضح لقجع أن “بغض النظر عن الأرقام التي بلغت 125 مليار درهم (12 مليار دولار) بمداخيل صافية للدولة بستة مليارات درهم (580 مليون دولار)، فإنها تعني أن المالكين لهذه الأموال لهم ثقة تامة في من يدبر شأنهم الإداري والجبائية وفي الالتزامات التي أخذتها الحكومة مع المواطنين.”

ويُعد اقتصاد الظل من أبرز التحديات التي يواجهها المغرب، نظرا لحجمه الذي يُقدّر بنحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ أكثر من 145 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية.

وحققت التسوية الضريبية الطوعية التي أطلقتها الحكومة خلال سنة 2024 نجاحا بارزا، حيث أسفرت عن تحصيل مداخيل استثنائية بلغت 12.2 مليار دولار، ما يعادل 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وساهمت هذه العملية في إدماج ثلث الاقتصاد غير المهيكل، الذي يُقدر حجمه بنحو 31.9 مليار دولار، وفق ما تشير إليه التقديرات.

وتعتبر الحكومة هذه المبادرة فرصة لإدماج العديد من الأنشطة في الاقتصاد المنظم وفقا للتجارب السابقة، بما يخدم مصلحة الحفاظ على التوازنات المالي، وأيضا التنمية.

وذكرت وزيرة الاقتصاد نادية فتاح العلوي أن فلسفة الحكومة في هذا الموضوع هي أن إدماج هذا القطاع مهم وله امتيازات كبيرة، مثل الاستفادة من دعم الشركات والاستثمار، والإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة والمنافع الاجتماعية، مثل التغطية الصحية والتقاعد.

30 في المئة حجم السوق الموازية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 145 مليار دولار

وقالت إن “الإصلاح الضريبي من أهم الآليات التي عبأتها الحكومة من أجل إدماج القطاع غير المهيكل بكيفية تحفيزية وتدريجية وملائمة لمختلف الفاعلين، مع مراعاة الخصوصيات القطاعية.”

وتعتقد العلوي أن الاقتصاد الموازي لا يوفر سبل التنمية الاجتماعية ويحرم الدولة من المداخيل، رغم أنه يمثل نسبا غير معروفة، تتراوح، حسب تقارير ودراسات، بين 11 و30 في المئة، كما يلعب دورا مهما في توفير عدد من الخدمات والمنتجات الأساسية.

وشددت على أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية له علاقة مباشرة بالاقتصاد الموازي عبر التسجيل في صناديق الضمان الاجتماعي والتسجيل في نظام المقاول الذاتي وخارطة الطريق الإستراتيجية لتحسين مناخ الأعمال وبرنامج “أنا مقاول” والمخططات القطاعية، خاصة في الصناعة التقليدية والزراعة.

وحسب معطيات حكومية، فإن العديد من العاملين في المقاهي والمطاعم لا يستفيدون من الضمان الاجتماعي والبرامج الحكومية، رغم أن نقابات القطاع تتحدث عن مليون فرصة عمل. لكن السجلات الرسمية تظهر أنهم لا يتجاوز عددهم 130 ألفا فقط.

كما أن مديرية الضرائب، وفق العلوي، “تكافح الفواتير الوهمية وغيرها من الممارسات غير المواطنة، والحكومة تقوم بعدد من الإجراءات لدعم الشركات الصغيرة”.

وتم إطلاق نظام اختياري جديد للتصفية الذاتية للجباية، يسمَح للأشخاص الذين يمارسون نشاطا رسميا باحتساب مبلغ الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على مشترياتهم من الموردين المتواجدين خارج نطاق تطبيق هذه الضريبة.

 

إدريس الفينة: العفو الضريبي سوف تكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد

كما يشمل ذلك أولئك المعفيين منها، دون الحق في الخصم، مع السماح لهم بخصم مبلغ هذه الضريبة في الوقت نفسه.

وخلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الاقتصاد غير المنظم بالمغرب إلى أن الأنشطة التي تندرج تحته تعمق الهشاشة في سوق العمل وتضيع على الدولة مداخيل ضريبية مهمة، مما يلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد.

وبحسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن 67.6 في المئة من إجمالي اليد العاملة تعمل في اقتصاد الظل، مع تركيز كبير في الزراعة، ويشمل هذا القطاع نسبة كبيرة من العاملين في المناطق الحضرية، خاصة في الأنشطة التجارية والخدماتية الصغيرة.

واعتبر الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي إدريس الفينة أن العفو الضريبي الذي تم اعتماده من المتوقع أن تكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد، خاصة من خلال تحفيز الطلب الإجمالي وتعزيز المالية العامة للدولة.

وقال في تصريح لـه إن “هذه العملية ستساهم في تعزيز إدماج جزئي للاقتصاد الموازي في النظام الرسمي، مما سيؤدي إلى توسيع القاعدة الضريبية للدولة وتقديم آفاق إيجابية على المدى الطويل.”

وترى الحكومة أن إدماج السوق السوداء في النسيج الاقتصادي يتم عبر توسيع نطاق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة ليشمل التجارة الرقمية، عبر مراجعة قواعد إقليمية الضريبة على القيمة المضافة.

والهدف من ذلك تكريس مبدأ فرض الضريبة حسب مكان إقامة مستهلك الخدمات الرقمية، وفق المعايير الدولية المعمول بها.

وعلاوة على ذلك، يبدو من الضرورة إلزامية الكشف عن هوية مقدمي الخدمات عن بعد من غير المقيمين لدى إدارة الضرائب عبر منصة إلكترونية، وكذلك إلزامية الإقرار برقم المعاملات المحقق في المغرب وأداء الضريبة المستحقة.

وقدم البنك المركزي المغربي عدة حلول لمعالجة ظاهرة الاقتصاد الموازي، من بينها إصلاح النظام الضريبي وجعله أداة لدمجه في الاقتصاد الرسمي، من خلال نهج البساطة والتصاعدية وتقليل معدلات الضريبة وزيادة العبء الضريبي وفقا لحجم الشركة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: