وزيرة الثقافة الفرنسية تزور الصحراء المغربية لدعم سيادة المغرب عليها
قامت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، مساء الاثنين، برفقة محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل المغربي، بزيارة إلى مدينة العيون في الصحراء المغربية، في أول زيارة لعضو في الحكومة الفرنسية إلى المنطقة، تأكيدا لاعتراف باريس بسيادة المغرب عليها وتحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس من خلال تعدد الزيارات والمشاريع المشتركة في مختلف المجالات.
وشكلت الزيارة الرسمية للمسؤولة الحكومية الفرنسية فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية في سياقها الجديد، الذي حمل إلى جانب البعد الثقافي أبعادا اقتصادية وسياسية، خاصة بعد الإعلان الرسمي عن دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء والاعتراف بسيادة المملكة المغربية على كامل ترابها بما فيه الأقاليم الصحراوية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد خلال زيارة دولة إلى المغرب في أكتوبر الماضي، تأييد بلاده “لسيادة” المملكة على هذه المنطقة المتنازع عليها مع جبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر.
ووقّعت شركات فرنسية خلال تلك الزيارة نحو 40 عقدا أو اتفاق استثمار مع شركاء مغاربة لإنجاز عدة مشاريع، بعضها في الصحراء الغربية.
وأتاح الموقف الفرنسي الذي سبق لماكرون إعلانه في رسالة للعاهل المغربي الملك محمد السادس نهاية يوليو، تطوير العلاقات بين باريس والرباط إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، لكنه، بالتوازي، تسبب في أزمة حادة بين فرنسا والجزائر.
داتي تعلن عن توقيع اتفاقيات جديدة تشمل مجالات الألعاب الإلكترونية، وإطلاق معهد للإعلام والسمعي البصري
واستهلت داتي زيارتها للأقاليم الجنوبية المغربية بتفقد قصبة طرفاية، المعلمة البريطانية التاريخية التي تم تدشينها سنة 1938، قبل أن تقف بدار البحر “كاسمار”، الحصن التاريخي الذي يعود إنشاؤه إلى التاجر والمهندس الإنجليزي دونالد ماكنزي بدعم من الحكومة البريطانية، الذي انتقل لاحقا إلى الإسبان بقيادة مانويل فيتيغو، الذين جعلوا منه مركزا للمبادلات التجارية.
ويعد هذا الموقع، الذي تم تقييده في عداد الآثار الوطنية بقرار رسمي، شاهدا على قرون من التفاعل بين الثقافات، كما ظل صامدا في وجه أمواج الأطلسي لأكثر من 140 عاما.
وزارت الوزيرة الفرنسية متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي يحتفي بإرث الكاتب الفرنسي الشهير مؤلف “الأمير الصغير”، الذي استقر في طرفاية سنة 1927 حين كان مكلفا بإيصال البريد الجوي بين فرنسا والمغرب.
ويعرض المتحف، الذي افتُتح سنة 2004، مقتنيات ووثائق توثق لهذه المرحلة، مسلطا الضوء على ارتباط المدينة بتاريخ الطيران والبريد الجوي.
وتندرج هذه الزيارة في إطار تعزيز التعاون الثقافي المغربي – الفرنسي، كما تعكس اهتمام الجانب الفرنسي بتثمين المواقع التاريخية التي تشهد على عمق الروابط بين البلدين، وترجمة الجهود المغربية لحماية الموروث الثقافي لمناطق الجنوب، باعتبارها جسرا للتلاقح الحضاري بين أوروبا وأفريقيا.
وأكدت رشيدة داتي، إثر زيارتها إلى مدينة طرفاية، على البعد الرمزي والتاريخي لهذه المحطة، مشيرة إلى أن “المدينة تحمل إرثا ثقافيا عريقا، خاصة من خلال ارتباطها بالكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي شغل منصب مسؤول المطار في المنطقة.”
وأضافت وزيرة الثقافة الفرنسية، في تصريح لوسائل إعلام مغربية، أن هذه الزيارة تأتي في سياق ترسيخ العلاقات الثقافية بين المغرب وفرنسا، مشددة على أن “الروابط بين البلدين تعززت بشكل كبير منذ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرسالة التاريخية التي وجهها إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، والتي أكد فيها أن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يتحققان ضمن السيادة المغربية.”
وأعلنت داتي عن توقيع اتفاقيات جديدة تشمل مجالات الألعاب الإلكترونية، والسينما، والقطاع السمعي البصري، والتراث، وعلم الآثار، إلى جانب إطلاق معهد للإعلام والسمعي البصري، وإنشاء فرع للتحالف الفرنسي في المنطقة.
واعتبرت أن هذه المبادرات تجسد الروابط التاريخية بين المغرب وفرنسا، مؤكدة أن “التعاون الثقافي سيظل محورا أساسيا في تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الشقيقين.”
في نهاية أكتوبر 2024، جدد مجلس الأمن الدولي دعوة المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى “استئناف المفاوضات” للتوصّل إلى حلّ “دائم ومقبول من الطرفين”
وقال وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي محمد المهدي بنسعيد إن الاتفاقيات التي تم توقيعها أمام أنظار الملك محمد السادس ورئيس جمهورية فرنسا، “بدأت تدخل اليوم مرحلة التفعيل”، مشيرا إلى أن “هذه الزيارة تحمل أبعادا رمزية، تاريخية، وسياسية.”
وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية أن المغرب يواصل التأكيد على سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية، وأن تفعيل الاعتراف بهذا الواقع يشكل رسالة سياسية واضحة ومهمة، معتبرا أن “الشراكة الثقافية مع فرنسا تعزز هذا التوجه، خصوصا من خلال المشاريع التي تهدف إلى تثمين الإرث الثقافي لمدينة طرفاية، التي ارتبطت بشخصية أنطوان دو سانت إكزوبيري، حيث سيتم استثمار إرثه التاريخي في تعزيز الإشعاع الثقافي للمنطقة.”
كما كشف المسؤول الحكومي عن خطط لترميم مجموعة من المعالم التاريخية، من بينها مبنى دار البحر كاسمار، بشراكة مع المجالس المنتخبة بالمنطقة، لتحويله إلى فضاء ثقافي يبرز المكانة التاريخية للمدينة.
وأكد أن الهدف الأساسي من هذه المشاريع هو استغلال الثقافة والتاريخ لخلق فرص شغل للشباب وتعزيز التنمية الاقتصادية، من خلال شراكات دولية، على رأسها التعاون مع فرنسا، بما يحقق مكاسب سياسية، ثقافية واقتصادية للمغرب.
وفي نهاية أكتوبر 2024، جدد مجلس الأمن الدولي دعوة المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى “استئناف المفاوضات” للتوصّل إلى حلّ “دائم ومقبول من الطرفين”، لكن المغرب يشترط التفاوض فقط حول مقترح الحكم الذاتي.
وكان ماكرون وعد أثناء زيارته للمغرب بأن بلاده ستنشط “دبلوماسيا” في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم المقترح المغربي.