البترودولار الجزائري يفشل أمام المرونة الإستراتيجية للمغرب

ماموني

كشفت القمة الثامنة والثلاثون لرؤساء دول الاتحاد الأفريقي، نهاية هذا الأسبوع في أديس أبابا، عن تورط النظام الجزائري في سلوكيات ظن الكثير من المراقبين أنها انتهت إلى غير رجعة، لكن مع هذا النظام لن تغمض عينيك من المفاجآت. فأن يقوم الرئيس عبدالمجيد تبون بفتح محفظته ويعرض على الاتحاد مليون دولار تحت عنوان “المساهمة الطوعية لدعم الآلية الأفريقية للتقييم من قبل النظراء” قبل التصويت بيوم واحد على مرشحة بلده لنائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والتي فازت بالمنصب بعد نزول نظامها بثقل دولاراته، فهذا يعني أن هذا النظام فشل في استقطاب أصوات الأفارقة بشكل سليم وطبيعي ودون تدليس.

كان أحد أهداف النظام هو الضغط ماليًا لشراء منصب لن يغير من الأمر شيئًا. هذا يعني أن الرشوة والفساد والصفقات المشبوهة أصبحت عنصرًا بنيويًا داخل هياكل نظام يبعثر ثروة أجيال من أبناء الجزائر على قضايا خاسرة من البداية. فماذا يعني أن يخرج للعلن أن هذا النظام وزّع الأموال من أجل منصب لا ميزة حقيقية من ورائه؟ وماذا ربح أصلاً من مناصب مماثلة داخل الاتحاد الأفريقي؟ وماذا استفاد أيضًا من رئاسته المؤقتة لمجلس الأمن الدولي لمدة شهر، في إطار ولايته التي تنتهي سنة 2025؟ لا شيء بالمطلق.

◄ رصد الهستيريا التي أصابت النظام الجزائري وإعلامه الموالي بتبني الحملات التضليلية المعادية للمملكة، يجزم بتضاؤل نفوذ هذا النظام وترهل سياسته وفشل مقارباته الدبلوماسية

هذا يعود بنا إلى سنوات مضت ولا زالت آثارها بادية إلى اليوم، عندما نظرت محكمة إيطالية في رشاوى تم تقديمها في الجزائر بقيمة 197 مليون يورو، بين عامي 2007 و2010، من أجل السماح لشركة سايبام بالحصول على عقود بمبلغ إجمالي يقدر بـ8 مليارات يورو، لأجل حقوق لاستغلال الغاز من حقل منزل. وفي بداية سنة 2010 هزت فضيحة فساد أكبر شركة جزائرية، تم على إثرها وضع المدير العام محمد مزيان وأحد نوابه وخمسة من كوادر الشركة تحت الرقابة القضائية في إطار تحقيق حول عمليات اختلاس أموال متورط فيها ابن محمد مزيان، الذي يتولى إدارة مكتب دراسات. كما عصفت الفضيحة بوزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل.

فشل البترودولار الجزائري كان واضحًا بعدما اكتسب المغرب مساحات نفوذ داخل القارة الأفريقية، واكتسب مصداقية وأصدقاء كثرا، منهم ست دول منعتهم ظروف تعليق عضويتها لأسباب إدارية خاصة بهياكل الاتحاد الأفريقي من الإدلاء بأصواتهم لممثلة المغرب الدبلوماسية المخضرمة لطيفة أخرباش. بعد ست جولات من التنافس، تم الإعلان عن نتائج متقاربة جدًا تراوحت بين التساوي أو بفارق أصوات ضئيلة لا يتجاوز 2 إلى 4 أصوات. وهذا لا يبدو نجاحًا للدبلوماسية والسياسة الجزائرية.

الجزائر تحت قيادة الرئيس عبدالمجيد تبون والجنرال سعيد شنقريحة لا يهمها بالمطلق وحدة الاتحاد الأفريقي وإصلاح هياكله، ولا تبالي بقدرة دول هذا الهيكل الأفريقي على معالجة التحديات والإكراهات التي تواجه القارة. بل ما يهمها معاكسة تطور المغرب وعرقلة المحافظة على وحدته الترابية، والوقوف ضد توسيع شراكاته وتحالفاته داخل القارة الأفريقية وخارجها، وبالطبع لا تريد له النجاح في الوساطات لتحقيق الاستقرار الإقليمي.

النظام الجزائري أراد أن يسوق لجمهوره والمغيبين ذهنيًا، من خلال نتيجة التصويت الباهت وغير ذي قيمة، بأنه نجح في الانتصار على المملكة. ليخفي الحقيقة التي تقول إن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجديد، وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف، الذي سيتولى مهامه، يعتبر من أصدقاء المملكة ولن تستطيع نائبته أن تنهج مواقف ضد المغرب أو ضد إرادة الرئيس. كما أراد النظام التغطية على انتصارات المملكة المتعددة وذات الوزن السياسي والدبلوماسي والتنموي، منها اعتراف العديد من الدول الوازنة بسيادة المغرب على صحرائه، وبالتالي دعم موقف المغرب في هذا النزاع الإقليمي. وما لا يريد النظام الجزائري الاعتراف به أن المغرب لا يخفي أهدافه ونيته وأجندته المتمثلة في تنمية القارة وتجاوز الصراعات الإقليمية والتركيز على المستقبل الاقتصادي والتنموي.

◄ الرشوة والفساد والصفقات المشبوهة أصبحت عنصرًا بنيويًا داخل هياكل نظام يبعثر ثروة أجيال من أبناء الجزائر على قضايا خاسرة من البداية

منذ سنة 1984 التي انسحب فيها المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية، وإلى حين عودته إليها عام 2017، بعدما تغير الاسم إلى الاتحاد الأفريقي، وتغيرت الظروف، بين التاريخين كانت الجزائر تلعب كيفما أرادت داخل الاتحاد وتتبوأ المناصب دون منافسة تذكر. لكن عودة المملكة إلى هذا المنتظم الأفريقي استطاعت أن تغير قواعد اللعبة. وأضحى النظام الجزائري متوجسًا خائفًا من ذهاب نفوذه الذي أسسه بمباركة البترودولار والريع النفطي، ليس لخدمة مستقبل الأفارقة وتنمية بلدانهم واسترجاع سيادتهم على ثرواتهم، ولكن فقط لمناكفة المغرب وتثبيت صنيعتها بوليساريو داخل هياكل هذا المنتظم الأفريقي.

إستراتيجية النفس الطويل التي يتبناها الملك محمد السادس، هي التي عززت نفوذ المغرب الإقليمي، ووسعت علاقاته الدولية، ويحظى بمصداقية كبيرة لدى أصدقاء كثر وكذلك دول كانت بالأمس تقف إلى جانب نظام جزائري يريد تفكيك وحدة المغرب بأيّ ثمن. لعبة القوة الإقليمية التي برع فيها المغرب أهلته للعودة إلى الاتحاد الأفريقي وجعلت العديد من الدول الأفريقية تتبنى مواقف مؤيدة للمملكة وتذهب بعيدًا بفتح قنصليات لها بالأقاليم الجنوبية. هذا بالطبع ينسف الخطة المشبوهة التي باشرتها الجزائر داخل الاتحاد وخارجه لأجل تقويض المملكة.

رصد الهستيريا التي أصابت النظام الجزائري وإعلامه الموالي بتبني الحملات التضليلية المعادية للمملكة، يجزم بتضاؤل نفوذ هذا النظام وترهل سياسته وفشل مقارباته الدبلوماسية وتعطله في ابتكار سياسة واقعية وتجديد دمائه، رغم المحاولات اليائسة والمتخبطة في عهد عبدالمجيد تبون، والتغييرات السياسية التي شهدتها بلاده منذ نهاية عام 2018 إلى الآن، مع إقرار المواد المتعلقة بإعطاء الحق لرئيس الجمهورية في إرسال قوات جزائرية للمشاركة في مهام حفظ السلام خارجيًا، وتولي أحمد عطاف حقيبة الخارجية بدل رمطان لعمامرة، مع إنهاء مهام 16 مسؤولًا في وزارة الخارجية الجزائرية، أدى إلى نتيجة سلبية مع استمرار الخيبات الدبلوماسية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: