صفعة دبلوماسية للنظام الجزائري في أديس أبابا

البراق شادي عبد السلام

بعد سنة دبلوماسية كاملة بنتائج كارثية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، حاولت فيها الدبلوماسية الجزائرية بكل أدواتها الشرعية وغير الشرعية التضييق على مصالح المملكة المغربية وتقويض الأمن والاستقرار الدولي والقاري والإقليمي بدعم وتمويل وتدريب وتسليح ميليشيا بوليساريو الإرهابية، ما زالت الدبلوماسية الجزائرية تراهن على حجز مقعد في مجلس السلم والأمن (CPS) التابع للاتحاد الأفريقي لتحوله إلى مجال مفتوح لتهديد الوحدة الترابية للمملكة المغربية والتأثير على ميكانيزمات السلام والأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، وبشكل خاص في الساحل والصحراء الأفريقية الكبرى.

فشل النظام الجزائري في حجز مقعد دبلوماسي في الهيئة القارية يعتبره الجنرالات هزيمة مدوية في الحرب الدبلوماسية المفتوحة ضد الجوار الإقليمي، وبشكل خاص المملكة المغربية، بالرهان على إستراتيجية تصدير الأزمات الداخلية واختلاق أسطورة العدو الخارجي المهدد لاستقرار الدولة. كعادة كل الأنظمة الشمولية الدكتاتورية التي عرفها التاريخ الإنساني، هذا إستراتيجي ومحوري.

انخراط الجزائر في سياسات تسليحية مستغلة مداخيل الغاز والنفط المليارية لدفع المنطقة إلى سباق تسلح إقليمي على حساب جهود التنمية يعد من أهم العوامل التي تؤثر على الأمن الإقليمي والاستقرار الجهوي

لا يمكن لجنرالات الجزائر الغارقين في الفساد وتكديس الثروات وتبديد مقدرات الشعب الجزائري الشقيق في سياسات التسليح المشبوهة، الاستمرار في سياساتهم هذه دون التوفر على منصة إقليمية أو قارية أو دولية لتصريف مواقفهم العدائية تجاه شعوب المنطقة. والمراقب لما اقترفه هذا النظام منذ عقود إلى اليوم من أزمات سياسية ومشادات دبلوماسية مجانية يتأكد أن هذا النظام يغرق في عزلة دبلوماسية دولية وقارية وإقليمية حادة نتيجة سياسات العداء الإقليمي وفشل الفاعل المؤسساتي الجزائري في تطوير سياسات خارجية تساهم في تدعيم أواصر الاستقرار والسلام والأمن في محيط جيوسياسي متقلب هو نتيجة حتمية للسلوك الهجومي للجزائر.

مجلس السلم والأمن الأفريقي يعتبر ركيزة أساسية للهيكل القاري للسلام والأمن في أفريقيا، ومهمته الأساسية هي تعزيز السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا ومنع النزاعات وإدارتها وحلها من خلال التعاون مع منظمات فرعية أخرى كلجنة الأركان العسكرية ولجنة الخبراء. وعلى هذا الأساس، فرغبة النظام الجزائري في التسلل إلى هذه الهيئة الأفريقية رفيعةِ المستوى وواضحة الأهداف والمقاصد تتناقض مع سياسات النظام الجزائري المهددة للأمن والاستقرار القاري والعالمي.

طوال سنوات روجت قيادات النظام الجزائري العسكرية والمدنية لما يمكننا تسميته بـ“أساطير دولة”، من قبيل “الجزائر القوة الضاربة” و“الجزائر أقوى دولة في المنطقة” و“الجزائر القوة الإقليمية” و“الجزائر الشقيقة الكبرى” و“الجزائر المركز الدبلوماسي الإقليمي” والكثير من التعبيرات التي تندرج في تضخم دولة تحول إلى حالة مرضية مزمنة لدى قيادات النظام، والتي تدحضها في كل مرة هزيمة دبلوماسية تظهر حقيقة هذا النظام الذي تحول إلى عبء إقليمي تعاني من سياساته العدوانية مختلف دول المنطقة.

الصفعة التي تلقاها النظام الشمولي في الجزائر برفض مجموعة من الدول الأفريقية الخضوع لضغوطه المشبوهة هي دليل على فشل الدبلوماسية الجزائرية وشركائها في أفريقيا في ضمان مقعد لنظام شنقريحة في مجلس السلم والأمن، ودليل واضح على الفشل البنيوي الذي تعرفه الدبلوماسية الجزائرية.

فالأحداث الإقليمية متسارعة ومتقاطعة المصالح بين مختلف القوى الفاعلة في فضاء جغرافي يعرف العديد من المخاطر، وفي الوقت الذي ينتظر فيه العالم حلولاً نابعة من القوى الإقليمية للإشكالات الإقليمية نجد أن الدبلوماسية الجزائرية ما زالت تتناول الإشكالات الإقليمية بمقاربة كلاسيكية وتحدد طبيعة تفاعلها على أساس تقدير موقف متجاوز لا يتناسب مع الجهود المفروض وجودها لصياغة رؤية إستراتيجية مناسبة تجاه التفاعلات والسلوكيات الإقليمية، وبشكل خاص عند إعادة توجيه وتشكيل الدبلوماسية الجزائرية في تحركاتها تجاه محيطها الخارجي في علاقته مع المتغيرات الكبرى التي عرفها المشهد الجيوسياسي العالمي.

انتخاب المغرب لولايتين متتاليتين، لمدة سنتين ثم ثلاث سنوات على التوالي، لعضوية مجلس السلم والأمن، يعكس الثقة والمصداقية والتقدير والاعتراف الذي تحظى به الإستراتيجية الأفريقية لرؤية الملك محمد السادس

ارتهان الدبلوماسية الجزائرية لرغبات صانع القرار العسكري برؤية الشمولية، وفهمه الأمني الضيق لطبيعة التفاعلات الإقليمية، في غياب تأسيس فهم دبلوماسي للإشكالات الإقليمية، يجعلها جزءا من العطب الإقليمي وأحد محركات الصراع في المنطقة بدلاً من أن تكون باعتبار حالة الاستقرار النسبية التي يعيشها النظام الجزائري أحد صمامات الأمان الإقليمية.

انخراط الجزائر في سياسات تسليحية مستغلة مداخيل الغاز والنفط المليارية لدفع المنطقة إلى سباق تسلح إقليمي على حساب جهود التنمية يعد من أهم العوامل التي تؤثر على الأمن الإقليمي والاستقرار الجهوي، بالإضافة إلى تأثيره على جهود التنمية المستدامة في المنطقة، حيث أن الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات الهجومية والدفاعية وشراء التكنولوجيات العسكرية تدفع دول المنطقة إلى تخصيص موارد كبيرة للإنفاق العسكري على حساب الاستثمار في القطاعات الحيوية الأخرى مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، ما يعوق جهود التنمية في المنطقة ويؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

كانت هذه من الأسباب المباشرة لاستبعاد دول أفريقية النظام الجزائري من مجلس السلم والأمن الأفريقي. فممارسات وسلوكيات هذا النظام، سواء على مستوى السياسات الداخلية أو المواقف الخارجية، تجعل هذا النظام في موقف نقيض للمبادئ والشعارات التي تنظم عمل الاتحاد الأفريقي. كما أن تسلل الجزائر إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي يشكل تهديداً كبيراً لمفاعيل الاستقرار والسلم الأفريقي.

المملكة المغربية كدولة أفريقية فاعلة من خلال المبادرات/ الحلول التي تقدمها للإشكالات والتحديات التي تواجه محيطها الإقليمي والقاري والدولي سواء مسلسل الرباط للدول الأطلسية، وهي المبادرة التي تهدف إلى بناء جسور مستدامة للتواصل الحضاري بين ضفتي المحيط الأطلسي بما تحمله من فرص تنموية واعدة، أو المبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، والمشروع العملاق المهيكل المتمثل في أنبوب الغاز الأفريقي – الأطلسي (المغرب – نيجيريا) والذي يشكل فرصة تنموية هائلة ومتفرّدة لأكثر من 340 مليون أفريقي.

تطرح المملكة من خلال هذه المشاريع والمبادرات دفتر تحملات إقليمي يحول المملكة المغربية، كما كان وضعها التاريخي قبل قرون خلت، إلى حاضنة إستراتيجية تدعم طموحات شعوب شمال وغرب أفريقيا في الحرية والسيادة والتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي والأفريقي، تؤكدها حقيقة دبلوماسية تتمثل في انتخاب المغرب لولايتين متتاليتين، لمدة سنتين ثم ثلاث سنوات على التوالي (2018 – 2020 ثم 2022 – 2025)، لعضوية مجلس السلم والأمن، ما يعكس الثقة والمصداقية والتقدير والاعتراف الذي تحظى به الإستراتيجية الأفريقية لرؤية الملك محمد السادس، والجهود التي تحققت تحت إشرافه كرائد للعمل الأفريقي المشترك لتمكين أفريقيا من الثقة بإمكانياتها وبناء مستقبل واعد لشعوبها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: