رفض المغرب أمام اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على مستوى رؤساء الدول والحكومات أي مقاربة أمنية أو عسكرية للتعامل مع أزمة الكونغو الديمقراطية، معتبرا أنها لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وإبعاد احتمالات مصالحة دائمة بين الأطراف المعنية، داعيا إلى إيجاد حل عبر الحوار يضمن الاستقرار والوحدة الترابية لهذا البلد.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة أن “المغرب يجدد التأكيد على تشبثه الثابت باحترام سيادة ووحدة والسلامة الترابية لجمهورية الكونغو الديمقراطية وكافة البلدان ذات السيادة، وعلى أهمية هذا الاجتماع من أجل المساهمة في إيجاد حل دائم للأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وأشار ناصر بوريطة إلى أن “استمرار حالة عدم الاستقرار يقوض السلم والأمن القاريين، ويهدد جهود التنمية والتعاون الإقليمي، مما يتطلب منا جميعا العمل بحزم ومسؤولية لإطلاق ديناميكية وتسوية سلمية ودائمة للنزاع”، لافتا إلى أن “المغرب يدعو، في أي عملية لحل الأزمات، كما دأب على ذلك، إلى الاحترام التام، من جانب كافة الأطراف، لمبادئ التعايش وحسن الجوار والتسوية السلمية للنزاعات، عبر الحوار والتفاوض.”

كما شدّد بوريطة ممثل المغرب أمام اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، على “ضرورة الانخراط في مسلسل للحوار البناء والصادق، باعتباره السبيل الوحيد المجدي لتجنب المزيد من التصعيد وتعزيز السلم والاستقرار في البلاد والمنطقة”، موضحا أن “أولوية المملكة هي الوقف الفوري للأعمال العدائية، واحترام وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات.”
وتصاعد التوتر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية مع دخول مقاتلي حركة “23 مارس”، يقال إنها مدعومة من القوات الرواندية، إلى مدينة بوكافو، عاصمة إقليم جنوب كيفو، ما دفع الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي إلى اتهام رواندا بالسعي إلى تحقيق ما أسماه بـ”طموحات توسعية” في المنطقة، مستغلة الجماعات المسلحة لزعزعة الاستقرار.
ونفت رواندا هذه الاتهامات، معتبرة أنها مجرد مزاعم لا أساس لها تهدف إلى تحويل الأنظار عن المشكلات الداخلية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأنها ليست طرفا في النزاع، داعية إلى الحوار لحل الأزمة المتفاقمة في المنطقة.
وأفاد هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية، بأن “تدخل ناصر بوريطة يمثل موقف المغرب المبدئي تجاه الأهمية الإستراتيجية لكل من الكونغو الديمقراطية ورواندا اللتين تجمعه معهما علاقات متميزة وحيوية، والتعبير عن حرص المغرب على تجاوز الاشتباك المسلح والتركيز على الأبعاد السياسية والدبلوماسية إلى مجالات الاقتصاد والتجارة والخدمات والأمن، إلى جانب الموروث الديني والتاريخي المشترك لخلق التوافق حول قضية الحدود التي تؤجج الوضع أكثر.”
وأكد في تصريح لـه أن “تحركات المسؤولين المغاربة بهذه المنطقة تؤطرها العقيدة الدبلوماسية للمملكة وعلاقات الرباط مع كلا البلدين وتجعلها حريصة على الوحدة الترابية وتقويض تهديدات دعوات الانفصال في إطار رفض التدخلات الأجنبية، وهو ما دافع عنه بوريطة أمام المسؤولين الأفارقة لاستعراض رؤيته لبناء قنوات التواصل السياسي وتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المشتركة المستدامة والشاملة، وتجاوز هشاشة السياق الأمني الذي يهدد رواندا والكونغو الديمقراطية.”
واعتبر معتضد أن “تحرك المغرب سواء داخل هياكل الاتحاد الأفريقي أو كوسيط موثوق بين رواندا والكونغو يأتي بهدف نزع فتيل النزاع لإنهاء الصراع الذي تؤججه أجندات خارجية هدفها إبقاء الوضع مشتعلا، كما أن المملكة تضطلع بأدوار أمنية وتنموية وسياسية ودبلوماسية مهمة للحفاظ على استقرار المنطقة.”
المغرب يرفض أمام اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على مستوى رؤساء الدول والحكومات أي مقاربة أمنية أو عسكرية للتعامل مع أزمة الكونغو الديمقراطية
وفي زيارته بمعية مدير الاستخبارات الخارجية ياسين المنصوري، حمل بوريطة رسالة ملكية من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرئيس الراوندي بول كاغامي، حيث ركزت المحادثات على سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات الإستراتيجية، واعتبرتها دوائر دبلوماسية أنها مهمة حيوية في هذا التوقيت للتوسط بين رواندا والكونغو الديمقراطية لتلطيف الأجواء السياسية المتوترة، والتحكم وفق مسار دبلوماسي في ضبط حدود الصراع.
وأصرّ ناصر بوريطة على “وضع حدّ لمعاناة السكّان المدنيين جراء هذه الأزمة، من خلال تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بهدف الاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحا، للمتضررين”، مشيرا إلى أن “المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين يتعين عليهم توحيد جهودهم لتخفيف المعاناة واستعادة الأمل في هذه المنطقة المتضررة بشدة.”
ورحبت المملكة بالتزام المنظمات الإقليمية، بما في ذلك المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات الكبرى، ومجموعة شرق أفريقيا، ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، والجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، التي تعمل، إلى جانب الشركاء الأفارقة والدوليين، على تعزيز البحث عن حل مستدام لهذه الأزمة.
وتشارك كتيبة مغربية ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام (القبعات الزرق) من أجل قضية السلام، حيث شدد المسؤول الحكومي المغربي على أنها لا تتوانى عن تقديم التضحيات الجسام من أجل تعزيز السلم والاستقرار على أراضي البلد الشقيق، (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، بالموازاة مع الجهد السياسي المبذول على المستوى الإقليمي، لإشراك الأطراف المعنية من أجل إعادتها إلى طاولة المفاوضات وتجنب أي شكل من أشكال التصعيد.