اكتسبت خطط الحكومة المغربية لتطوير شبكة سكك الحديد المزيد من الزخم مع انضمام شركات فرنسية إلى مشروع خط القطار فائق السرعة، والذي سيكون أحد الاستثمارات اللافتة للارتقاء بقطاع النقل ضمن الاستعدادات للأحداث العالمية في السنوات المقبلة.
فازت شركة كولاس الفرنسية، عن طريق اثنين من فروعها، بثلاثة عقود تطوير خط القطار فائق السرعة بين مديني القنيطرة ومراكش المغربيتين.
ويشهد المشروع الذي يشرف على بنائه المكتب الوطني للسكك الحديدية، وهي شركة مملوكة للدولة تقدما ملموسا كنقلة نوعية في تحديث شبكة النقل عبر سكك الحديد في البلاد.
ويأتي المشروع بعد سبع سنوات من تدشين أول قطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء على مسافة 350 كيلومترا، ليربط بين المدينتين الأكثر حيوية في المغرب خلال ساعتين وعشر دقائق بدل أربع ساعات و45 دقيقة حاليا.
وحسب ما أوضحته كولاس، فإن هذه المشاريع تقع بين مدينتي القنيطرة والدار البيضاء، وتندرج في إطار التوسع المستمر لخط القطار فائق السرعة شمال المغرب، الذي يربط طنجة بالقنيطرة.
واعتبر فرانسيس غراس المدير العام لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في كولاس، أن مساهمة الشركة ستكون مهمة في تطوير البنية التحتية لسكك الحديد في المغرب، وتحديدا عبر الشراكة مع المكتب الوطني للسكك الحديدية.
وقال إن “هذا المشروع يعكس التزامنا بدعم التنمية الاقتصادية للمملكة وتعزيز المبادرات الكبرى مثل استضافة كأس العالم 2030.”
ويهدف هذا التطوير إلى تمديد الشبكة نحو مراكش ببنية تحتية عالمية المستوى، استعدادا للمونديال المشترك مع إسبانيا والبرتغال، وقد تم اختيار الفرع المغربي للشركة الفرنسية، لتنفيذ الحزمة رقم 3 من أعمال الهندسة المدنية، بقيمة تقارب 180 مليون يورو.
وبالإضافة إلى ذلك، ستتولى كولاس تنفيذ الحزمة الشمالية التي تشمل تصميم وبناء خطوط سكك الحديد والخطوط العلوية الكهربائية، والمحطات الفرعية، بقيمة 200 مليون يورو.
كما ستعمل على تنفيذ الحزمة رقم 1 التي تشمل أعمال البنية التحتية الفوقية والهندسة المدنية على المسارات قيد التشغيل، بقيمة 50 مليون يورو.
وقال هيرفي لو جوليف رئيس كولاس إنه “بعد تنفيذ أعمال المسار وخطوط الكهرباء لأول خط قطار فائق السرعة في المغرب بين 2014 و2018، والذي يربط طنجة بالقنيطرة، نحن فخورون بمواصلة تطوير الشبكة فائقة السرعة في المغرب.”
وفي إطار تطوير البنية التحتية للشبكة، أكد المكتب الوطني للسكك الحديدية أنه “ملتزم بتعزيز النقل المستدام من خلال مشاريع جديدة، منها إطلاق خط سريع إضافي وتوسيع شبكة القطارات الكهربائية ضمن رؤية طويلة الأمد تستهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030.”
وحسب بيان للمكتب، فإن ميزانية 2025 تركز على استحقاقات كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وتستهدف تحقيق زيادة في عدد المسافرين إلى 57 مليونا ونقل 21 مليون طن من البضائع، إضافة إلى تجاوز رقم معاملات بقيمة 5 مليارات درهم (500 مليون دولار).
كما شدد على أن “الاستثمار يرتكز على مشاريع مهيكلة، أبرزها توسيع شبكة القطارات فائقة السرعة، وإطلاق خدمة القطار الجهوي، وبناء محطات جديدة استعدادًا لمونديال 2030.”
وأكد عبدالصمد قيوح وزير النقل أن المكتب قام بمجهود كبير في تطوير قطاع النقل عبر سكك الحديد، بحيث نقل حوالي 53 مليون راكب، ومن المنتظر أن يصل هذا الرقم إلى 55 مليوناً عند نهاية السنة الجارية، منها 5 ملايين عبر خط البراق.
وأشار إلى أن مشروع الربط السككي بين القنيطرة ومراكش عبر ملعب بنسليمان ومحطة مطار محمد الخامس سيتم إنجازه قبل سنة 2029، وهو ما سيمكن من تقليص مدة الرحلة في اتجاه مراكش من سبع ساعات حاليا إلى ساعتين و45 دقيقة فقط.
وتمتد أعمال كولاس على مسافة 40 كيلومترا وتشمل أعمال الحفر وإنشاء الهياكل الهندسية الأساسية وبناء 5 جسور وتشمل إنشاء سكك الحديد ومد الخطوط العلوية الكهربائية وتشييد قواعد العمليات والمحطات الفرعية الكهربائية، إضافة إلى أعمال الهندسة المدنية.
وأشار لوران جيرمان، مدير شركة إي.جي.أي.سي الفرنسية المتخصصة في مجالات الاستشارات والهندسة وخدمات النقل، أن مشروع خط القطار فائق السرعة من القنيطرة إلى مراكش من المتوقع أن يُفتتح مع نهاية عام 2029، قبل انطلاق كأس العالم 2030. وقال إن “شبكة سكك الحديد الجديدة ستجعل المغرب يمتلك واحدة من أكثر الشبكات تطوراً وكفاءة على الصعيد العالمي.”
ووفق الخبير الاقتصادي المغربي رشيد ساري فإن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا تمتد لتشمل مجالات متعددة، إذ تتضمن الاتفاقيات مشاريع هامة في البنية التحتية، مثل سكك الحديد والقطار فائق السرعة.
ورأى ساري في تصريح لـه أن الاتفاقيات ستسهم في تعزيز مكانة فرنسا كشريك تجاري واقتصادي رئيسي للمغرب، وفتح آفاق جديدة لفرص العمل، حيث توظف نحو 1300 شركة فرنسية في البلاد أكثر من 80 ألف شخص.
وقال “من المتوقع أن يزداد هذا العدد بشكل ملحوظ، مما سيسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المغرب.”
وأسند المكتب الوطني للسكك الحديدية هذا المشروع لثماني شركات، حيث فاز تحالف بين شركتي كولاس الفرنسية وفرعها المغربي بالجزء الأول والذي يغطي المقطع الواصل بين سيدي أعشوش وسيدي البرنوصي، بقيمة إجمالية قدرها 650 مليون درهم (60.5 مليون يورو).
ويمتد الجزء الثالث من المشروع، من محطة الواحة إلى النواصر، تم الفوز به من قبل التحالف الفرنسي ويضم شركتي تي.أس.أي كاتونيسرز وأن.جي.إي كونتراكتينغ، بقيمة إجمالية قدرها 1.11 مليار درهم (100 مليون يورو).
وفي ما يخص الجزء الرابع والأخير من المشروع، والذي يربط بين سيدي العيدي ومراكش، فقد تم اختيار التحالف الإيطالي التي يضم شركتي جي.سي.أف وجي.سي.أف.أم.اي، بميزانية بلغت 702 مليون درهم (65.3 مليون دولار).
ويشمل مشروع القطار فائق السرعة إنشاء خط جديد عالي السرعة (أل.جي.في) يربط بين القنيطرة ومراكش، بالإضافة إلى تحديث البنية التحتية القائمة، بما في ذلك ربط الخط الجديد بالخطوط الحالية وتطوير محطات القطارات.
كما يتضمن تحسين الخط التقليدي الرابط بين المدن الرئيسية، وتجهيز محطات نهاية الخط، وإنشاء قواعد وصيانة لقطارات السرعة العالية.