نجحت وساطة العاهل المغربي الملك محمد السادس في الإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل، في مبادرة صامتة لم يتم الحديث عنها، ليتم كشفها من قبل الجانب الفلسطيني مع الإشادة الواسعة والتقدير لدور المملكة في دعم الشعب الفلسطيني بكل الإمكانات.
كشف وزير الشؤون المدنية الفلسطيني حسين الشيخ عن مبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس وتدخله لحل أزمة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل، في خطوة تؤكد دور المغرب في دعم الشعب الفلسطيني والتخفيف من معاناته وموقف المملكة الثابت لصالح القضية الفلسطينية.
وتوجه الشيخ، وهو أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالشكر والتقدير الكبير للملك محمد السادس ولأركان الحكومة المغربية على جهدهم المتواصل في حل أزمة الأموال الفلسطينية، وأضاف في تغريدة على حسابه في إكس “نثمن هذا الجهد الأخوي المتواصل والمستمر في دعم صمود وثبات شعبنا على أرض وطنه.”
وأشار إلى أن المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس قد لعب دورًا محوريًا في معالجة هذه الأزمة المالية مع إسرائيل، والتي أثقلت كاهل الحكومة الفلسطينية. كما عبّرت اللجنة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني عن امتنانها للملك محمد السادس “على جهده الدؤوب وحرصه المستمر على تقديم يد العون لإغاثة الشعب الفلسطيني.”
وقالت المنظمة في بيان لها إن هذا الجهد “يشكل وقوفا حازما أمام محاولات حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة لإنهاء القضية الفلسطينية وتقويض حل الدولتين. كما يمكّن هذا الجهد السلطة الفلسطينية من الوفاء بالتزاماتها المالية والخدماتية التي تخفف من معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعاني الويلات.”
من جهتها نشرت حركة فتح تغريدة على حسابها في إكس أكدت فيها تدخل الملك محمد السادس شخصيا لإعادة الأموال المحتجزة لدى إسرائيل، ما لقي تفاعلا واسعا وإشادة كبيرة بدور المغرب الاستثنائي في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، لاسيما أن هذه المبادرة جرت بصمت دون أن يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام، والشيخ هو من أعلن عنها.
وذكر متابعون أن المغرب يشتغل في صمت إذ أن “تدخل الملك محمد السادس ساهم في فتح معبر بري من أجل تقديم المساعدات إلى غزة وتدخل (…) لحل أزمة الأموال المحتجزة من طرف إسرائيل، كما أن المغرب يصر على رفض تهجير الفلسطينيين.” وكان الشيخ التقى وزير المالية الإسرائيلي أواخر أبريل وفي منتصف مايو الماضيين، لبحث أزمة اقتطاع سلطات الاحتلال الإسرائيلي جزءًا من أموال المقاصة الفلسطينية.
وتحتجز الحكومة الإسرائيلية 502 مليون شيكل (حوالي 138 مليون دولار) من أموال السلطة الفلسطينية، بذريعة تخصيص السلطة الفلسطينية دعما ماليا للأسرى المحرَّرين وعائلات المعتقلين في السجون الإسرائيلية وأسر الشهداء، وهو ما ترفضه إسرائيل. وتحصل السلطة على أموال الضرائب بموجب بروتوكول باريس الموقع بين فلسطين وإسرائيل عام 1994، الذي ينظم عملية جمع الضرائب المفروضة على البضائع التي تمر عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتحولها شهريا إلى الحكومة الفلسطينية في رام الله.
وأكد عباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن “تدخل الملك محمد السادس يتضمن إشارة قوية إلى الدعم المغربي اللامشروط للفلسطينيين باعتباره رئيسا للجنة القدس وحرصه الدائم على جعل القضية الفلسطينية في نفس كفة قضية الصحراء المغربية، وتأكيد أن الوساطة أصبحت من الآليات الكبرى التي تنتهجها المؤسسة الملكية من أجل بناء أواصر التفاهم والجلوس إلى طاولة المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وحل الخلافات التي هي معروضة على الأمم المتحدة وتقديم مجموعة من البدائل الكفيلة بحلحلة هذا النزاع في إطار ما يحظى به الملك محمد السادس من احترام ومكانة.”
وفي سياق ثبات الموقف المغربي المؤمن بعدالة القضية الفلسطينية والدعم غير المشروط، أفرد الملك محمد السادس مكانا لهذا الملف في خطاب الذكرى الـ25 لعيد العرش في يوليو الماضي، عندما شدد على أن المغرب يواصل “دعم المبادرات البناءة، التي تهدف لإيجاد حلول عملية، ومعالجة الوضع الإنساني، بموازاة مع فتح أفق سياسي؛ كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة.”
كما عبر العاهل المغربي، في رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف شيخ نيانغ، في 26 نوفمبر الماضي عن دعم المملكة لكل المبادرات البناءة، التي تهدف إلى إيجاد حلول عملية لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني، ومواصلة جهودها الحثيثة والمعهودة، مستثمرة مكانتها وعلاقاتها المتميزة مع الأطراف المعنية والقوى الدولية الفاعلة. وسبق أن أعربت السلطة الفلسطينية عن تقديرها للجهود التي تقوم بها المملكة المغربية في الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، في العديد من المناسبات.
◙ تدخل الملك محمد السادس يتضمن إشارة قوية إلى الدعم المغربي اللامشروط للفلسطينيين باعتباره رئيسا للجنة القدس
كما نوه سفير دولة فلسطين لدى المغرب جمال الشوبكي بالدعم الذي يقدمه المغرب للقضية الفلسطينية دون أطماع، عكس دول أخرى “تدعم مقابل الحصول على مكاسب معيّنة وفق مصالحها،” مشددا في ندوة نظمتها مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة، على أن المغرب “يدعم فلسطين بشكل محايد ودون حسابات، مثل الكثير من الدول العربية، ولكن هناك دولا ليست جمعيات خيرية، تدفع للفلسطينيين بمقابل سياسي.”
ولفت عباس الوردي، في تصريح له، إلى “أننا أمام تجربة استثنائية تعبر عن قيمة مضافة للعمل المرتبط بالدبلوماسية الملكية التي تؤمن بفاعليتها كل الأطراف الدولية، منها القيادات الفلسطينية وإسرائيل أيضا التي ما فتئت تشد الأنظار من خلال استجابتها للتوجهات والمبادرات الملكية من خلال فتح معابر وتقديم المساعدات، ومن ضمنها هذه الوساطة التي أعطت أكلها، حيث أن هذا التوجه الذي يجب أن نستفيد منه هو أننا أمام بنية ملكية قادرة على إسماع صوت الفلسطينيين وقادرة على لعب دور الوساطة بقوة وفاعلية والدور الإستراتيجي الذي تقوم به المملكة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.”
وبالتوازي مع ذلك أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الاثنين مرسوما يلغي نظام دفع المخصصات المالية لعائلات فلسطينيين قتلتهم إسرائيل أو تعتقلهم، وهي مخصصات مالية لطالما أثار صرفها معارضة إسرائيلية وصلت إلى حد فرض عقوبات واستقطاعات من تحويلات الضرائب للسلطة الفلسطينية.
وأمر محمود عباس بنقل “برنامج المساعدات النقدية المحوسب” و”قاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية” من وزارة التنمية الاجتماعية (التي كانت مسؤولة عن مخصصات العائلات) إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي، وبموجب هذا القرار ستكون مؤسسة التمكين الاقتصادي مسؤولة عن تقديم برامج الحماية والرعاية الاجتماعية لجميع الأسر التي تحتاج إلى المساعدة دون تمييز، بحسب بيان وكالة الأنباء الحكومية.
ويأتي القرار، وفق البيان، لاستعادة برامج المساعدات الدولية التي تم وقفها في السنوات الماضية، إلى جانب وقف الاستقطاعات المالية التي تقوم بها إسرائيل على أموال دافعي الضرائب الفلسطينيين، والتي وصلت إلى مبالغ ضخمة.