تمجيد زعيم البوليساريو في امتحان مدرسي بتندوف يُشعل مواقع التواصل
أثار موضوع امتحان في اللغة العربية موجه إلى تلاميذ المستوى المتوسط بمخيمات تندوف موجة واسعة من السخرية والاستياء، بعدما اتضح أنه يخدم أجندات سياسية أكثر من كونه اختبارا أكاديميا. فقد بدا وكأنه استبيان للولاء السياسي، يهدف إلى ترسيخ صورة ممجدة لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بدلا من قياس قدرات التلاميذ في الفهم والتحليل.
وفقا لنسخة مسربة من الامتحان، فقد تم وضع النص المقترح دراسته في قالب دعائي، يصوِّر إبراهيم غالي كشخصية بطولية، معدّدا «خصاله» مثل «طول قامته» و«بياض بشرته» و«شجاعته»، إلى جانب تقديمه كـ«أحد أبرز رجال البوليساريو»، في استعراض مطوّل لدوره في النزاعات، وصفات أُسبغت عليه من «نحافة الجسم وطيبة القلب» إلى «الشجاعة والحكمة»… وهو ما اعتبره المعلقون عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي اختبارا أقرب إلى خطبة تمجيدية منه إلى تمرين لغوي.
سخرية لاذعة على مواقع التواصل
سرعان ما أشعلت الوثيقة موجة من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سخرت صفحة «تسريبات الرابوني» التي دأبت على نشر فضائح الانفصاليين في مخيمات تندوف، من محتوى الامتحان بتعليق ساخر جاء فيه: «شر البلية ما يضحك.. إطراء قل نضيره في ورقة امتحان إشهادية في حق إبراهيم غالي»، الذي يلقب –حسب التعليق نفسه- بـ«ميناتو.. زير النسا» نسبة إلى سجله الأسود في اغتصاب النساء المحتجزات.
بدوره تقاسم القيادة السابق في جبهة بوليساريو، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الصورة على حسابه الفيسبوكي، واكتفى بكتابة تعليق مقتضب: «وا فينك آبنكرير»، في إشارة إلى التزييف الذي طال حتى مسقط رأس إبراهيم غالي، الذي رأى النور بدوار أيت الطالب جماعة بوشان اقليم الرحامنة، وهو ما يعكس استمرار محاولات الجبهة في صناعة سرديات زائفة حول رموزها.
عقيدة التضليل السياسي
لم تقتصر الانتقادات على الجانب الساخر، بل تعدته إلى تعبير البعض عن أسفهم لكون الجبهة لا تزال تعتمد على تلقين الأطفال «عقيدة قائمة على التضليل السياسي بدلا من التركيز على تعليمهم مهارات أساسية»، وذلك من خلال «حشو أدمغة الأطفال والشباب بعقيدة ومبادئ خاطئة وأفكار إرهابية خطيرة».
وفيما رأى البعض أن هذه الواقعة مجرد مثال آخر على غسيل الأدمغة الذي تمارسه الجبهة، تساءل آخرون عن تداعياتها على مستقبل التلاميذ الذين سيكتشفون لاحقا حجم التلاعب بهم، إذ كيف سيكون وقع الصدمة عندما يدركون أنهم نشأوا على سرديات مضللة، وأن أقاربهم فقدوا أرواحهم في سبيل قضية تقاد وفق أجندات منفصلة عن الواقع؟
في السياق ذاته، ربط آخرون هذا الامتحان بمحاولات يائسة من الجبهة لإعادة تلميع صورة غالي، التي تعرضت لتآكل شديد بفعل الفضائح والجرائم التي تلاحقه، ليس فقط داخل المخيمات بل حتى على المستوى الدولي.
ولعل ما يزيد من حرج الجبهة الانفصالية أن الامتحان جاء في وقت تعيش فيه تندوف على وقع اشتباكات دموية بين وحدات الجيش الجزائري وعناصر من البوليساريو، على خلفية خلافات بشأن تقاسم المساعدات الإنسانية، وهي المواجهات التي كشفت ضعف السيطرة الجزائرية على الجبهة التي طالما استخدمتها كأداة ضغط إقليمي.
شجاعة بن بطوش؟
واستأثر تمجيد الامتحان لزعيم الانفصاليين بالكثير من السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن بعض المعلقين تساءلوا أين ترك « الزعيم المبجل » شجاعته وكل الأوصاف البطولية التي وردت في نص الامتحان، حين تسلل إلى مستشفى في جنوب إسبانيا متخفيا تحت اسم «بن بطوش»؟
وتُعد قضية «بن بطوش» واحدة من أكثر الفضائح التي كشفت زيف قيادات البوليساريو وتواطؤ النظام الجزائري في حمايتهم. ففي عام 2021، دخل زعيم الجبهة الانفصالية، إبراهيم غالي، إلى إسبانيا بهوية مزورة تحت اسم «محمد بن بطوش» وبجواز سفر جزائري، بهدف تلقي العلاج سرا في مستشفى «لوغرونيو». لكن الفضيحة سرعان ما تفجرت، خاصة بعد مطالبات حقوقيين ومحامين إسبان بمحاكمته بتهم تتعلق بجرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها التعذيب والاحتجاز القسري.
وأدى الكشف عن هويته الحقيقية إلى أزمة دبلوماسية حادة بين إسبانيا والمغرب، حيث اعتبر هذا الحدث دليلا آخر على الدعم المطلق الذي توفره الجزائر لقيادة البوليساريو، حتى وإن كان ذلك عبر التزوير وانتهاك القوانين الدولية.
بين تجنيد الأطفال واستغلالهم
تسلط هذه الواقعة الضوء مجددا على المصير المجهول الذي يواجهه الأطفال في مخيمات تندوف، حيث يُزج بهم في منظومة تعليمية مُسيَّسة تُكرس الولاء الأعمى بدلا من تزويدهم بمؤهلات علمية ومهنية تفتح لهم آفاق المستقبل.
ويأتي هذا في ظل الإدانات الدولية المتوالية التي تندد بتجنيد الأطفال في المخيمات، بتواطؤ من النظام الجزائري وقيادة البوليساريو، مما يفاقم معاناتهم ويجعلهم وقودا لدعاية تخدم مصالح النخبة الحاكمة بدلًا من تأهيلهم لحياة كريمة.
وهكذا، يجد النظام الجزائري نفسه اليوم يكتوي بنار الفوضى التي ساهم في إشعالها، فبعد عقود من استخدام البوليساريو كأداة لزعزعة استقرار جيرانه، ها هو يواجه ارتداد هذه الأداة عليه، في صورة كيان انفصالي بات يُهدد مصالحه، ويُفضح تهاوي نفوذه حتى داخل معسكراته الخاصة. لقد أصبح المشهد أشبه بلعنة ارتدت على صانعها، فالسلاح الذي وُجِّه للخارج بدأ ينقلب إلى الداخل، مهددا الاستقرار الذي طالما تباهى النظام الجزائري بامتلاكه.