الاستثمار ورقة مغربية لامتصاص قيود أوروبا على تحويلات المغتربين
ربط خبراء حفاظ المهاجرين المغاربة في أوروبا على وتيرة التحويلات المالية إلى بلدهم في ظل القيود التي ينوي القطاع المصرفي في التكتل فرضها، بقدرة الرباط على اللعب بورقة الاستثمارات القادمة من الشمال، والتي ستكون مهمة لامتصاص أي تأثيرات محتملة.
يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض قيود على البنوك الأجنبية العاملة في سوقه، من شأنها التأثير سلبا على التحويلات المالية، التي يجريها المغتربون المغاربة المقيمون هناك.
وتأتي هذه الخطوة مع صعود اليمين المتطرف بعدد من الدول الأوروبية إلى دوائر الحكم، والتضييق على المهاجرين، وفي ظل واقع اقتصادي دولي غير مستقر.
ولطالما اعتمد المغرب على الهجرة في تحقيق قدر كبير من التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال التحويلات المالية، وكوسيلة لحل مشكلة نقص العمالة والبطالة.
ويعد المغرب سوقا رئيسية لتلقي التحويلات المالية في أفريقيا، حيث يتلقى مليارات الدولارات سنويا من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، إلى جانب الولايات المتحدة ودول الخليج العربي.
وتشكل هذه الأموال مصدرا أساسيا للدخل للعديد من الأسر، كما أنها عنصر مهم وركيزة من الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي حيث تساهم التحويلات بنحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومطلع فبراير الجاري ذكر مكتب الصرف المغربي أن تحويلات المغتربين زادت العام الماضي بمقدار 21 في المئة على أساس سنوي لتبلغ نحو 117.7 مليار درهم (11.7 مليار دولار).
ويصل عدد المغتربين إلى 5 ملايين شخص، بحسب إحصاءات وزارة الخارجية المغربية، وتعد تحويلاتهم أول مصدر للنقد الأجنبي بالنسبة للبلاد.
ويسعى الاتحاد إلى تقييد التحويلات المالية من البنوك الأجنبية العاملة في أراضيه، بما في ذلك البنوك المغربية، وإخضاعها للوائح الأوروبية.
وإذا نجحت الخطوة في توحيد القواعد لجميع البنوك الأجنبية، ستتعزز سيطرتها على التدفقات المالية، وترتفع تكاليفها، ما سينعكس سلبا على حجم التحويلات، لاسيما المغتربين المغاربة.
وينوي التكتل تطبيق توجيه جديد يلزم البنوك الأجنبية العاملة في الدول الأعضاء بإنشاء فروع محلية تخضع للوائح الأوروبية لمواصلة أنشطتها.
وأثارت هذه الخطوة مخاوف السلطات المغربية، رغم ادعاء أوروبا أنها موجهة لبريطانيا فقط، بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) رسميا نهاية 2020.
وتعقيبا على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي المغربي عمر الكتاني لوكالة الأناضول إن “السياق الدولي الحالي يؤشر على دخول أوروبا في أزمة اقتصادية.”
وأوضح أن الإجراءات الأوروبية المرتقبة تأتي في سياق مخاض اقتصادي دولي بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة الشهر الماضي.
واعتبر الكتاني أن أوروبا “مقبلة على خسائر اقتصادية ومالية، وهو ما يجعلها تبحث عن موارد وبدائل مالية واقتصادية جديدة، لذلك تأتي هذه الخطوة.”
وعن تبعات تلك الإجراءات على القارة ذاتها، يبين الكتاني أن أوروبا “ستتضرر كثيرا، وذلك بعد فقدانها مصادر أموال ناتجة عن تكرير النفط.”
وأوضح أن نيجيريا أطلقت أكبر مصفاة لتكرير النفط الخام بالقارة الأفريقية بتكلفة بلغت نحو 20 مليار دولار، وقد بدأت الإنتاج في يناير 2024، لذلك “فإن عائدات أوروبا في هذا المجال ستشهد تراجعا.”
ويحذر الخبير من انعكاس الأزمة الأوروبية المتوقعة على الاقتصاد المغربي في حال لم تتخذ السلطات هناك أي إجراءات، بالنظر إلى أن أكثر من 60 في المئة من التجارة الخارجية للبلاد هي مع الاتحاد الأوروبي.
وفي ما يتعلق بأهمية تحويلات المغتربين، يوضح أنها “تلعب دورا في إيجاد نوع من التوازن المالي باقتصاد البلاد، وتساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأسر المغربية التي تستفيد من هذ الأموال.”
ويشيد الكتاني بدخول بلاده في مفاوضات مع الطرف الأوروبي، مستدركا بالقول إن “المغرب سيخضع لبعض الشروط والقيود في تحويلات الجالية المغربية.”
ويوضح أن القيود “يمكن أن تشكل خسارة كبيرة للاقتصاد بالنظر إلى حجمها الكبير والمهم.” وبحسب الاقتصادي المغربي، فإن بلاده “لها عناصر قوة في التفاوض، مثل التحفيزات الكبيرة التي تمنحها للاستثمارات الأجنبية، بما فيها الأوروبية.”
ويتساءل في هذا السياق “لماذا يمنح المغرب امتيازات كبيرة للأوروبيين من أجل الاستثمار في بلاده، ويستفيدون من إعفاء جزء كبير من الضرائب؟”
ويدعو الكتاني بلاده إلى توظيف ورقة الامتيازات التي تمنح لمستثمرين في المفاوضات مع أوروبا، مشيرا إلى أن بلاده لها عجز في المبادرات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وتستورد أكثر مما تصدر، وهو ما يمكن أن يجعلها ورقة أخرى في المفاوضات.
وفي ديسمبر الماضي، أعلن محافظ البنك المركزي المغربي عبداللطيف الجواهري عن مفاوضات جمعت المغرب مع المفوضية الأوروبية وبعض الدول الأخرى، عقب التوجيه الأوروبي الجديد.
11.7 مليار دولار تحويلات المغتربين في 2024، بزيادة قدرها 21 في المئة بمقارنة سنوية
وقال الجواهري في مؤتمر صحفي حينها إن “البنك تواصل مع المفوضية الأوروبية بخصوص التوجيه الجديد، وأكدت له أن الأمر لا يتعلق بالمغرب، بل متعلق بالبنوك البريطانية.”
وأضاف “أخبرناهم أن هذه العملية تتعلق بكل البنوك غير الأوروبية، ورغم أنها تمس البريطانيين إلا أنها ستمس أيضا مصالح البنوك المغربية.”
وأشار إلى أن “بعد المفاوضات مع المفوضية الأوروبية أكثر من مرة، انطلقت المفاوضات مع دول وبنوك أوروبية، والتوصل إلى اتفاق سيفتح الباب أمام توافقات مع باقي الدول الأخرى.”
ولفت إلى أن “هذه المنهجية التي اعتمدها المغرب انطلقت مع فرنسا، وإذا تم التوصل إلى اتفاق معها، ستسهل المأمورية مع دول أخرى، مثل إسبانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا.”
ومتحدثا عن بدائل أخرى لمواجهة الإجراءات الأوروبية، يشدد الكتاني على “ضرورة تقوية الاقتصاد المغربي، وعدم الاعتماد على موارد معينة، مثل التحويلات المالية للمغتربين، والأمطار في القطاع الزراعي وعائدات السياحة، وهي أمور خارج السيطرة.”
ويلفت إلى أهمية إطلاق إصلاحات اقتصادية ومالية، والحد من بعض الإشكالات من أجل تعويض الخسائر المالية المتوقعة في السياق الدولي الحالي.
كما يؤكد على ضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وإطلاق صناعة محلية تحل محل واردات المنتجات باهظة الكلفة.
وعن المغتربين المغاربة، يختم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول إنهم “بمثابة عمال يساهمون في تحريك العجلة الاقتصادية في أوروبا، وهو ما يقتضي عدم المساس بهم.”
ونهاية يناير الماضي، أعلنت الحكومة المغربية أن الاستثمارات الأجنبية خلال السنة الماضية هي الأفضل في تاريخ البلاد، وبلغت 4 مليارات دولار خلال أول تسعة أشهر من 2024.
ويراهن المغرب على الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى مداخيل السياحة وتحويلات المغتربين، فضلا عن قطاعات صناعية مثل السيارات والطيران من أجل تحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي.