المغرب يقود جهود أفريقيا لاستغلال الواجهة الأطلسية اقتصاديا وأمنيا
يدفع المغرب خلال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الأفريقية الأطلسية إلى استغلال مزايا الواجهة الأطلسية لفائدة هذه الدول مجتمعة، ومواجهة التحديات المشتركة من قبيل التغير المناخي والتهديدات الأمنية.
يطمح المغرب إلى تمكين أفريقيا من الإمساك بزمام الأمور على صعيد واجهتها الأطلسية على المدى المنظور، وتحقيق الارتباط مع باقي بلدان القارة وأميركا اللاتينية، على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما أكده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، مشيرا إلى إجماع رؤساء برلمانات الدول الأفريقية على دمج الرهانات الإستراتيجية بالحوافز الاقتصادية، لتحويل فضاء الأطلسي المشترك إلى قطب إستراتيجي واقتصادي وحلقات تعاون يشد بعضها بعضا.
وحفز بوريطة الأفارقة لضخ دماء جديدة في هذه الدينامية، خلال افتتاح أشغال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الأفريقية الأطلسية الخميس تحت شعار “نحو بناء شبكة برلمانية من أجل أفريقيا أطلسية مستقرة ومتكاملة ومزدهرة”، بمقر مجلس النواب المغربي.
ويهدف الاجتماع إلى تعزيز الحوار البرلماني بين دول أفريقيا الأطلسية لدعم ووضع أسس شبكة برلمانية مخصصة لها وتشجيع تعاون منظم ومستدام بين الدول الأعضاء، وكذلك تعزيز التنسيق البرلماني حول القضايا المشتركة (الإدارة المستدامة للموارد، الأمن البحري، الاستثمار والتكامل الإقليمي).
ويسعى إلى مواجهة التحديات المشتركة من قبيل التغير المناخي والتهديدات الأمنية، باعتبار العمل البرلماني وسيلة أساسية لبلورة وتنفيذ رؤية أفريقية أطلسية مشتركة والنهوض بهوية أطلسية أفريقية.
وأطلق المغرب عددا من المبادرات التي تستهدف تعزيز الاستقرار في أفريقيا، منها المبادرة الملكية الأطلسية لتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي، واليوم يسعى إلى دفع الزخم لهذه المبادرات، عبر إشراك الهيكل البرلماني لهذا المجال الجيوسياسي الحيوي في تفعيل أجندة التعاون في الواجهة الأطلسية.
وأشار بوريطة في كلمة تلاها بالنيابة عنه فؤاد يزوغ، السفير المدير العام بوزارة الخارجية، إلى أن “التصدي لتحديات الواجهة الأطلسية وجني ما تجود به من ثمار بعيد عن منال الدول إن عملت منفردةً، إذ لا سبيل إلى بلوغ هذه الغاية إلا بحشد جهود سائر دول منطقتنا.”
وأبرزت ورقة تقديمية للاجتماع أن برنامج الدول الأفريقية الأطلسية، الذي أطلق في الثامن من يونيو 2022 بالرباط، والمستند إلى رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس، يعد مبادرة جوهرية لتحويل الواجهة الأطلسية الأفريقية إلى فضاء للتآزر البشري، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع الدولي، كما يهدف إلى تعزيز الحوار السياسي والأمني، وتحسين الإدارة المستدامة للموارد المشتركة، وجذب الاستثمارات الإستراتيجية، بالإضافة إلى تعزيز الروابط البحرية والطاقية.
وأكد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، في تصريح لـه ، أن هذا الاجتماع البرلماني يعزز المبادرات المغربية تجاه أفريقيا، بما فيها المبادرة الملكية الأطلسية، وهو ما يبرز الإمكانات الضخمة التي سيوفرها التعاون بين البلدان الأفريقية الأطلسية لتحقيق التنمية بالقارة وتوفير فرص الشغل ورفاهية المواطنين الأفارقة، فضلا عن تعزيز التقارب المغربي – الأفريقي ونسج سياسة مندمجة مع المغرب في تصوراته الكبرى على مستوى الساحل والصحراء.
ويزخر الفضاء الأفريقي المتوسطي بموارده ومقدراته البشرية والطبيعية، إذ يحتضن 46 في المئة من سكان القارة، ويدر 55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي، فضلا عن كونه سوقا ضخمة تزود فيها 57 في المئة من التجارة القارية، وقد تم إدراج الاقتصاد الأزرق ضمن أجندة 2063، بوصفه محركا للنمو ورافعة جديدة لتحقيق نهضة القارة، وهذا ما جعل المغرب يدفع الدول الأفريقية إلى سبر مواردها البحرية الغنية بمؤهلات من شأنها تحفيز النمو الاقتصادي مع ضمان الاستدامة على مستويي التنمية الاجتماعية وحماية البيئة.
الاجتماع يهدف إلى تعزيز الحوار البرلماني بين دول أفريقيا الأطلسية لدعم ووضع أسس شبكة برلمانية مخصصة لها
وفضلا عن المشاريع والشراكات التي ينخرط فيها القطاعان العام والخاص المغربيان، في العديد من البلدان الأفريقية، أورد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، في مداخلته أن “بلادنا، تضع رهن إشارة القارة، تجهيزاتها الأساسية خاصة الطرق، والموانئ والمطارات، كحلقات لربط أفريقيا في ما بينها ومع باقي بلدان العالم، مستثمرة موقعها الإستراتيجي”، كما أن “المغرب يضع رهن إشارة أشقائه الأفارقة، شراكاته الإقليمية والدولية وما تتيحه من إمكانيات في التجارة والمبادلات والدعم المتبادل.”
وفي هذا الصدد اعتبر ناصر بوريطة أن “الربط البحري بين دول الواجهة الأطلسية الأفريقية ما زال دون المستوى المطلوب لزيادة زخم التجارة البينية في هذه المنطقة الهامة من العالم”، داعيا إلى السعي الجماعي لتجاوز الوضع “عبر تعزيز خطوط بحرية كفيلة بتكثيف تدفق التجارة وتحقيق النجاعة على مستوى تكاليف النقل.”
ويرى خالد شيات أن حديث وزير الخارجية ورئيس البرلمان يعكس التزام المملكة تجاه منطقة أفريقيا الأطلسية، وعموم القارة ضمن العديد من المبادرات والشراكات الإستراتيجية مثل أنبوب الغاز الأفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذلك من خلال أكثر من ألف اتفاقية تم التوقيع عليها خلال الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس إلى العديد من البلدان الأفريقية.
كما أشار بوريطة إلى أن “الأطلسي شهد على كل ضفافه إطلاق مبادرات جمة تنطوي على أوجه من التكامل عديدة، وكلها شاهدة على وعي جماعي بالأهمية الإستراتيجية لهذا الفضاء الفسيح.”
وتتمثل النتائج المنتظرة من هذا اللقاء، بحسب الورقة التقديمية، في اعتماد إعلان برلماني مشترك يكرس التزاما جماعيا لتحقيق أهداف مسلسل الدول الأفريقية الأطلسية، وإنشاء شبكة برلمانية أفريقية أطلسية لضمان متابعة منسقة ودائمة للمشاريع والمبادرات الإقليمية، وإعداد توصيات ملموسة لتعزيز الإدارة المستدامة للموارد وجذب الاستثمارات الإستراتيجية.
وحتى تكون الجهود منسقة، اقترح راشيد الطالبي “تشكيل شبكة برلمانية من ممثلي المؤسسات التشريعية في البلدان الأفريقية الأطلسية، لتنسيق الاتصالات والترافع على المستوى الدولي، ولجعل هذه المبادرة ضمن برنامج عمل ومناقشات مؤسساتنا وحواراتها وتعاونها مع باقي المؤسسات الوطنية والفاعلين الاقتصاديين والمدنيين والرأي العام في كل منطقة معنية.”