منذ الهجمات الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء في 6 مايو 2003، يواصل المغرب اتباع إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تتضمن تدابير أمنية يقظة، وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وسياسات متعددة المسالك لمكافحة التطرف العنيف. هذا المجهود مكّن المغرب من تفكيك عدد كبير من الخلايا التي كانت تتربص بأمن المملكة واستقرارها، آخرها خلية منطقة حد السوالم قرب الدار البيضاء بتاريخ 25 يناير 2025، التي عرفت بخلية “الإخوة الأشقاء”. وكنتيجة لذلك يتعلم المغرب باستمرار تعزيز استجاباته لمكافحة الإرهاب، لأن التهديد دائم وديناميكي.
وبفضل العمليات الأمنية الاستباقية ظل المغرب محصّنًا ضد التهديدات الإرهابية، ولم تستطع التنظيمات المتطرفة إيجاد موطئ قدم لها داخل المملكة. وتصدر تنظيم الدولة الإسلامية قائمة الخلايا المفككة والمرتبطة بأيديولوجيات متطرفة. وتتكامل اليقظة الأمنية مع الجهود الأخرى المبذولة في تضييق نطاق التطرف وتجفيف منابعه؛ فهناك المجهود التنموي من خلال مشاريع تهدف إلى الحد من الفقر والتهميش، والمجهود التشريعي، وأيضًا المتعلق بالمجال الديني؛ وذلك عبر تعزيز الإسلام الوسطي المعتدل.
ولا تزال منطقة الساحل والصحراء أبرز معاقل الاستقطاب، وهذا ما أظهرته المصالح الأمنية بعد اعتقال الإخوة الثلاثة بحد السوالم قرب الدار البيضاء، ما يعني محاولات التنظيمات الإرهابية، منها داعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، لتصدير العمليات الإرهابية إلى داخل المغرب، من خلال استقطاب المقاتلين المغاربة إلى صفوف التنظيم. بالتالي، فإن التحديات التي يفرضها الإرهاب بجميع أشكاله، وإعادة تموضع داعش في أفريقيا، من الأولويات الأمنية التي يشتغل عليها المغرب.
◄ بتنسيق مستمر نجحت السلطات المغربية في تفكيك خلايا مكونة من أفراد باعوا أنفسهم للأيديولوجيات المتطرفة في عدد من المدن كالدار البيضاء وطنجة وفاس وتطوان ومكناس
وتعتمد التنظيمات المتطرفة على إستراتيجيات متعددة لجذب أعضاء جدد ودورة مستمرة من التجنيد، بتحديد المرشحين، وإنشاء اتصالات آمنة، وتلقينهم، وتمويلهم. وهذا ما تفطن إليه المغرب وعمل على إستراتيجيات مضادة في تجفيف منابع الفكر المتطرف. وما يميز الأمن المغربي أنه لم يتبع سبيلاً واحدًا في تحقيق هدفه، بل نهج طرقًا متعددة، بنهج إستراتيجية شاملة لمكافحة التطرف العنيف، حيث تُعطى الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى مكافحة التطرف، والإشراف غير القابل للتراخي بالمجال الديني.
وما كشفته المعطيات المتعلقة بخلية حد السوالم وغيرها هو أن النطاق السيبراني الذي تتحرك من خلاله التنظيمات الإرهابية تحت أعين الأجهزة الأمنية، لأنه مجال تتسع وتضيق فيه الرؤية. فالتنظيمات الإرهابية تستغل هذا النطاق كمنصات للتواصل الاجتماعي لتوسيع رؤيتها الراصدة للضحايا الذين لديهم قابلية للاستقطاب والتجنيد، وتبني الفكر المتطرف. في المقابل، هناك أجهزة تعمل كل يوم لتضييق نطاق البحث وتوسيعه، ما يسمح لها برصد أي نشاطات وبدايات تؤشر على إرهاصات أولية لعمليات محتملة، لتتبعها عمليات أخرى معقدة في جمع المعطيات، التي عادة ما تكون دقيقة، لتجهض أي عملية إرهابية.
المعروف أن تلك التنظيمات تمكنت من نشر رسائلها على نطاق واسع وبكلفة زهيدة لاستقطاب وتنسيق الخطط ونشر رسائل التطرف وتجنيد المؤيدين وجمع الأموال والتأثير على الرأي العام من خلال التضليل، بواسطة المنشورات البسيطة التي ينشرها الأفراد إلى روبوتات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها التأثير بشكل مصطنع على الذين لديهم قابلية للوقوع في نطاق التلاعب النفسي. وهنا يأتي دور الأجهزة المختصة التي تعتبر المحتوى الذي تنشره الجماعات الإرهابية منجمًا للمعلومات. وبالفعل اكتسب الأمن المغربي رؤى حاسمة كانت مساعدة في فهم الأنشطة الإرهابية وتتبع المشتبه بهم وتحييد خطر الخلايا المتورطة.
وبتنسيق مستمر نجحت السلطات المغربية في تفكيك خلايا مكونة من أفراد باعوا أنفسهم للأيديولوجيات المتطرفة في عدد من المدن كالدار البيضاء وطنجة وفاس وتطوان ومكناس وغيرها، آخرها في منطقة السوالم، والتي كانت تخطط لهجمات إرهابية خطيرة وتسعى للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في البؤر التي يتواجد بها، كمنطقة الصحراء والساحل.
◄ التنظيمات المتطرفة تعتمد على إستراتيجيات متعددة لجذب أعضاء جدد ودورة مستمرة من التجنيد، بتحديد المرشحين، وإنشاء اتصالات آمنة، وتلقينهم، وتمويلهم. وهذا ما تفطن إليه المغرب
على المستوى الأفريقي يساهم المغرب بقوة بمقاربته الدينية في توسيع نطاق التدين المعتدل وتضييق نطاق الأيديولوجيا المتطرفة، من خلال مؤسسة “محمد السادس للعلماء الأفارقة”، وداخليًا بتعزيز الأمن الروحي من خلال الرابطة المحمدية للعلماء والمجالس العلمية المنتشرة في جميع ربوع البلاد. وهنا نرجع إلى ما أكده الملك محمد السادس أمام القمة التاسعة والعشرين للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، عندما قال “لقد كنت دائمًا أعتقد اعتقادًا راسخًا بأن أفريقيا قادرة على تحويل التحديات التي تواجهها إلى آفاق حقيقية للتنمية والاستقرار.”
وفي كل مناسبة دينية أو وطنية يصدر الملك محمد السادس عفوه عن عدد من المتورطين مع منظمات إرهابية بعد تخليهم عن آرائهم المتطرفة، عقب إكمالهم بنجاح برنامج “مصالحة” الذي تنفذه المندوبية العامة لإدارة السجون بالشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء، لإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني لهذه الفئة. كما تعمل المؤسسات المغربية المعنية على معالجة أسباب تعرض الشباب للاستقطاب والتجنيد من قبل المجموعات المتطرفة.
أنشطة تنظيميْ القاعدة وداعش في منطقة الساحل والصحراء تحت أعين أجهزة الأمن المغربية، ما مكنها من تفكيك عدد من الخلايا المرتبطة بهما، وقد وسعت تلك الأجهزة نطاق اهتمامها وتعاونها مع واشنطن وشركائها الأوروبيين والأفارقة، بسبب تحول ولاء جهاديي القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، حيث ظل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (بسيج) الوكالة الرئيسية المسؤولة عن ملاحقة الخلايا الإرهابية بالتنسيق مع مؤسسات أمنية وعسكرية مغربية.
ويتحرك المغرب لرصد الخلايا والذئاب المنفردة والانقضاض عليها بفعل ما يقدمه بنك معلومات حيوي وجهاز تحليل للمعلومات الاستخباراتية قوي وفعال من معطيات تم استغلالها بشكل دائم لتجفيف منابع التمويل وتأمين الحدود، الذي يشكل أولوية قصوى للسلطات المغربية، ومراقبة المياه الساحلية الواسعة بما في ذلك مضيق جبل طارق، لمنع أي استغلال لتلك المنافذ لتهديد أمن البلد واستقراره.