انسحاب نقابات من جلسة تصويت على قانون الإضراب يضع الحكومة المغربية في موقف محرج
لوحت النقابات الكبرى في المغرب بخطوات تصعيدية ضد مشروع القانون التنظيمي لتحديد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب.
وانسحب ممثلو الاتحاد المغربي للشغل الاثنين من جلسة عامة لمجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان) خصصت للمصادقة على القانون المثير للجدل، واحتج ممثلو الكونفدرالية الديمقراطية للشغل خلال الجلسة على الحكومة، متهمين إياها بإغلاق باب التفاوض حول القانون والإجهاز على الحق في ممارسة الإضراب.
وكانت نقابات أعلنت عن خوض إضراب عام يومي الخامس والسادس من فبراير الجاري في مختلف القطاعات العامة والخاصة، احتجاجا على السياسات الحكومية التي وصفتها بـ”اللاشعبية”، ما يضع الحكومة في مأزق.
وقال نورالدين سليك، رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل، في نقطة نظام قبل انطلاق الجلسة، “لقد عبّرنا عن مواقفنا بكل ثبات ومسؤولية، واليوم يلتئم مجلس المستشارين للحسم في هذا المشروع التنظيمي الذي نعتبره هامّا، يسمو إلى الدستور الذي صوتنا عليه بالإجماع وراء الملك محمد السادس في 2011″، مضيفا أن “فريقه خاض بمعنويات جد مرتفعة معركة مشروع قانون نعتبره تكبيلا للحق في الإضراب.”
وأورد سليك أن الحكومة لم تلتزم مع الحركة النقابية، في ما يخص تدبير هذا الملف من أجل الوصول إلى توافق، وأنه “أمام هذا الوضع؛ لا يمكننا تزكية الحكومة في هذه الخطوة، وحتى لا نزكيها قرر الفريق الانسحاب، تاركا للحكومة المجال الواسع لكي تقوم بما تود.”
في المقابل أشاد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري بـ”الموقف الوطني المسؤول” للمعارضة “التي لم تنسحب من النقاش حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب داخل مجلس المستشارين، بل اختارت الجلوس إلى طاولة الحوار وتقديم دفوعاتها، وهو ما أخذت به الحكومة في العديد من النقاط.”
وقال وزير التشغيل إن “المعارضة بهذا الشكل ارتأت مؤازرة المشروع ليس لمساندة الحكومة ولكن انتصارا للحق، رغم اختلاف المواقع السياسية، وهو الأمر الذي نبحث عنه جميعا.”
وأشار إلى أن “الاطلاع على النصّ المطروح في هندسته الكاملة يجعلنا نرى أننا أمام قانون في مستوى بلادنا، يضمن حقوق العاملات والعمال، ويراعي حرية العمل وحقوق المشغل، كما يحصّن حقوق المجتمع. هذه هي الأبعاد التي أطّر لها الملك محمد السادس في خطابه.”
ولفت إلى أن “المملكة المغربية شهدت في تاريخها فترات فيها قرارات مهمة وأساسية تبتغي حماية مستقبل أطفالنا وشبابنا بالإضافة إلى الطبقة العاملة التي ستدخل سوق العمل”، مؤكدا ضرورة الملاءمة من خلال توفير “آليات حديثة في المستوى”، وقال “اليوم حققنا الهدف والحكومة اجتهدت، إذا أصابت فلها أجران وإذا أخطأت فلها أجر واحد، والسلام.”
وأكد الميلودي المخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في تصريح لـه ، أن النقابات تعارض القانون كونه تضمن بعض المواد التي هي أقرب إلى القانون الجنائي منه إلى قانون الإضراب، ويحاصر الحق المكفول كونيا، حيث تمت صياغته بشكل انفرادي من طرف الحكومة، بدون استشارة النقابات الأكثر تمثيلية لضمان توافقه مع روح المطالب الاجتماعية، وتمت إحالته على البرلمان مباشرة.
وسيتم تمرير القانون أمام مجلس المستشارين بعدما حظي خلال اجتماع لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية والثقافية، مساء الجمعة، بموافقة 10 مستشارين، فيما عارضه 5 آخرون، وتم تقديم ما مجموعه 218 تعديلا همت مختلف مواد مشروع القانون، حظي عدد منها بقبول الحكومة، فيما تم رفض أو سحب تعديلات أخرى، وكذلك حذف مواد وإضافة أخرى جديدة لهذا النص التنظيمي.
النقابات تعارض القانون كونه تضمن بعض المواد التي هي أقرب إلى القانون الجنائي منه إلى قانون الإضراب
وأكدت النقابات أن قرار الإضراب يأتي بعد الوقوف على السلوك الحكومي اللامسؤول بتمرير مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب بأساليب ملتوية، وتجميد الحوار الاجتماعي الوطني لدورتين متتاليتين، منددة باستمرار اصطفاف الحكومة إلى جانب أرباب العمل، والهجوم على الحريات النقابية، وتهميش الشباب العاطل عن العمل، والهجوم على الخدمات العمومية مثل التعليم والصحة.
وسيشمل الإضراب الذي جاء بعد شهور من محاولة التفاوض مع الحكومة التي أغلقت باب الحوار الاجتماعي، الوظيفة العمومية والإدارات العمومية والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والجماعات الترابية وكل المؤسسات الإنتاجية والخدماتية والفلاحية بالقطاع الخاص والتجار والمهنيين والحرفيين.
وأكد خالد الهوير العلمي، نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن “قرار إعلان الإضراب الوطني هو جواب نضالي عن تجاوزات الحكومة في قالب سياسي محض، لأن الحكومة عندما تريد إنهاء قانون ما تهرول بسرعة إلى البرلمان من أجل استغلال أغلبيتها الساحقة، وهذا إشكال حقيقي نتج عنه القانون التنظيمي للإضراب الذي يحاول تكبيل أيادي الشغيلة في مختلف القطاعات وتكميم أفواه المتضررين، ونحن هنا من أجل الضغط على الحكومة للتراجع عن هذا القانون الذي يضرب في عمق الوثيقة الدستورية.”
وقال محمد زويتين، الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل، أثناء الندوة الصحفية، إن “الحكومة لم تتجاوب مع المقترحات التي أنجزتها نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وهذا خطير جدا ودليل على أن أصحاب المال والسلطة يحاولون تدمير الطبقة العاملة باعتبارها الحلقة الأضعف في هذا الإطار.”
وأكد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ”العرب” أن قرار الإضراب رد حقيقي على إغلاق الحكومة لباب الحوار الاجتماعي مع النقابات وتمرير قانون يضر بالعمال عبر البرلمان، ولهذا انتفض الجسم النقابي ضد هذا التوجه الذي يهدف إلى تدمير الطبقة العاملة باعتبارها الحلقة الأضعف.
وفي رد الحكومة، اعتبر الوزير السكوري، أمام مجلس المستشارين، أن بعض الفرق البرلمانية لاحظت أن العديد من تعديلاتها قد أُدرجت في المشروع، مما دفعها إلى دعمه، ليس مساندة للحكومة، ولكن انتصارا للحق، وهو الهدف الذي يسعى إليه الجميع، داعيا إلى تناول التعديلات والتوافقات والمجهودات التي بذلتها كل الأطراف السياسية والنقابية من أجل الوصول إلى قانون متوازن.