قانون قطاعي التربية والصحة يؤلب الجزائريين بدلا من تهدئة الاحتجاجات
فشل الخطاب الرسمي الجزائري في بناء جسور تواصل مع الأصوات المطالبة بإيجاد حل للأزمة العميقة التي تضرب قطاعي التعليم والصحة، إذ تسود حالة عدم الرضا عن القانون الأساسي لمنتسبيهما داخل الجبهة الاجتماعية باعتباره لا يلبي مطالبهم.
هددت النقابات المستقلة الناشطة في قطاعي التربية والصحة بالدخول في حركات احتجاجية، للتنديد بمخرجات القانون الأساسي الذي أطلقته الحكومة مؤخرا، خاصة وأنه ساهم في خلق فتنة داخل القطاعين. ففضلا على الغموض الذي يكتنفه، لم يلب مطالب مختلف الفئات العاملة، الأمر الذي سيضع الحكومة مجددا أمام اختبار جديد لتهدئة الجبهة الاجتماعية المنهكة باشتعال الأسعار وارتفاع التضخم.
وتحث الحكومة الجزائرية الخطى من أجل احتواء حالة التململ والغضب السائدتين داخل قطاعي التربية والصحة، بسبب عدم الرضا عن القانون الأساسي لمنتسبيهما، حيث برمج وزير التربية محمد الصغير سعداوي، عدة لقاءات مع مسؤولين من النقابات المستقلة الناشطة في القطاعين، بغرض مراجعة العديد من المسائل المهنية والاجتماعية.
وتأتي حالة التململ في سياق يغلب عليه الغضب المتصاعد داخل الجبهة الاجتماعية، حيث تمتد عدوى الإضرابات والاحتجاجات من قطاع إلى آخر، فبعد مقاطعة طلبة الطب للجامعات، والوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي يشنها الأطباء، وإضراب تلاميذ الثانوية، دخل طلبة المدارس العليا للأساتذة وموظفون في المدارس التعليمية على خط الإضرابات والاحتجاجات، وهو ما لا تريده السلطة في الظرف الراهن، عبر توجيه أنظار الرأي العام الداخلي نحو السجالات الإعلامية والسياسية المندلعة مع الخارج، لاسيما الأزمة القائمة مع فرنسا.
◙ عدوى الإضرابات تمتد من قطاع إلى آخر ابتداء من طلبة الطب والوقفات الاحتجاجية للأطباء إلى إضراب تلاميذ الثانوية
واستقبل وزير التربية الجزائري محمد صغير سعداوي، مسؤولين نقابيين من كل من النقابة الوطنية المستقلة لمساعدي ومشرفي التربية، والنقابة الوطنية المستقلة لمستشاري التربية، والنقابة الوطنية المستقلة لنظار الثانويات، والنقابة المستقلة لموظفي التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني، والنقابة الوطنية لموظفي المخابر لقطاع التربية، بغرض الاستماع إليهم بشأن المطالب التي رفعوها خلال الأسابيع الماضية، لأن القانون الأساسي لم يشملهم بالإجراءات والمزايا التي أقرها للعاملين في القطاع.
وأفرز القانون المذكور ردود فعل مفاجئة أدت إلى شل مؤسسات القطاع نتيجة الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شنتها الفئات غير المستفيدة، وتسبب تلاميذ المؤسسات الثانوية الذين قاطعوا مقاعد الدراسة خلال الأسبوع الماضي، وخرجوا إلى الشوارع في مسيرات غير مسبوقة، في صدمة قوية للسلطات وللمؤسسات الرسمية. ورغم محاولات تشويه الحركة الاحتجاجية، باستحضار فعل المؤامرة الخارجية في تحريك “مراهقي” الثانوية ضد الحكومة، إلا أن الخطاب الرسمي فشل أمام الأصوات الداعية إلى ضرورة الالتفات الجدي والعميق للأزمة العميقة التي تضرب قطاع التعليم.
وتفرض الحكومة الجزائرية المهيمنة على قطاع الإعلام، تكتما غير مسبوق على الغضب الاجتماعي السائد في مختلف القطاعات، حيث يجري تغييب الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شنها طلبة الطب والأطباء العاملون وتلاميذ الثانويات، مقابل السماح الحصري فقط لخطاب المؤامرة الخارجية في تحريك الشارع لضرب الاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي فاقم الغضب المذكور ومدّد عدواه لمختلف القطاعات والفئات. وتأمل الحكومة في لقاءاتها مع النقابات الناشطة، في إعادة الاستقرار إلى القطاعين اللذين يشكلان العمود الفقري لقطاع الوظيفة الحكومية، وذلك من خلال التعبير عن استعدادها لمراجعة الإجراءات التي أقرها القانون الأساسي ليشمل جميع الفئات العاملة.
وطرح النقابيون العديد من المطالب لضمان العودة المرنة لمؤسساتهم، على غرار تثمين الخبرة المهنية والشهادات مع تحديد المهام بدقّة، وعدم تسقيف المسار المهني، بالإضافة إلى إدراج الرتبة القاعدية للتوظيف في سلك مشرفي التربية في الصنف 12، وتخفيض سن التقاعد والاستفادة من نسبة 30 في المئة في النظام التعويضي، وإدماج جميع مستشاري التربية المنحدرين من سلك الإشراف التربوي في الرتبة المستحدثة، وتخفيض شرط الإدماج إلى ثلاث سنوات عوض سبع سنوات، واستحداث رتبة مفتش المصلحة البيداغوجية يُدمج فيها المستشارون الرئيسون وحاملو شهادة الدكتوراه، فضلا عن إدراج سلك النُظّار مع موظفي الإدارة وحصر الترقية والتأهيل لرتبة مدير ثانوية، وفتح آفاق الترقية لمناصب أخرى كمفتش التربية الوطنية لإدارات الثانويات، واستحداث منح جديدة خاصة برتبة ناظر ثانوية كمنحة المسؤولية والتسيير البيداغوجي والتكليف، وتثمين الشهادات وفتح جسور الترقية والأحقية بالمناصب العليا في قطاع التربية الوطنية.
وإلى جانب إلغاء الرتبة الآيلة للزوال، وإدماج جميع مستشاري التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني في رتبة مستشار محلل، وإدماج المستشارين الرئيسيين في رتب عليا، وتثمين الخبرة المهنية لهم، والإدماج المباشر لمفتشي التوجيه المدرسي في رتبة مفتش التعليم المتوسط وبنفس المنوال مفتش التربية الوطنية في التوجيه والإرشاد في الرتبة الجديدة مفتش التربية الوطنية، وتثمين الخبرة المهنية لموظفي المخابر الذين يثبتون 20 سنة خدمة فعلية فما فوق برتبتين تثمينا لسنوات الخبرة خاصة خريجي المعاهد التكنولوجية، فتح آفاق الترقية برتبتين أخريين، مخبري ومكوّن، وإدراج عمل سلك المخبرين ضمن الأعمال الشاقة.
وأمام هذه الحزمة الثرية من المطالب التي يرفعها نقابيو الفئات المتصلة بقطاع التربية، والتي يأمل أصحابها افتكاك أكبر قدر منها، تغيب الانشغالات التي رفعها تلاميذ الثانويات خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يجعل عملية التكفل بالقطاع عرجاء، في غياب تمثيل حقيقي للتلاميذ، وعدم اضطلاع الفاعلين النقابيين بها، رغم أن التلاميذ هم صلب العملية التعليمية برمتها.
وعادة ما يرتبط الوضع المهني والاجتماعي والبيداغوجي داخل قطاع التعليم في الجزائر، بالتجاذبات السياسية والأيديولوجية، خاصة في ما يتعلق بلغة التعليم، ففيما يقر دستور البلاد اللغة العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، يخيم انقسام داخل الفاعلين في الشأن التعليمي، بشأن اللغة الأجنبية الثانية، ففيما تدفع السلطة نحو زحزحة اللغة الفرنسية وتقديم الإنجليزية لتصبح لغة ثانية، في ظل الأزمة القائمة مع فرنسا، يتمسك ما يعرف بالتيار الفرنكفوني، باللغة الفرنسية باعتبارها لغة موروثة وواسعة الاستعمال، وأن الأمر يتطلب وقتا وتحضيرا للانتقال السلس نحو الإنجليزية.