تبون يفاجئ الجزائريين بعرض التطبيع المشروط مع إسرائيل

فاجأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الشارع الجزائري بمحتوى التصريح الذي أدلى به لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، المتعلق باستعداد بلاده للتطبيع مع إسرائيل، حتى وإن جعله مشروطا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، الأمر الذي يطرح فرضية التمهيد لمرحلة جديدة في خيارات الجزائر الدبلوماسية تجاه من ظلت تصفه بـ”الكيان الصهيوني”، وترديدها لشعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.

ويتساءل مراقبون جزائريون عما إذا كان الحديث عن التطبيع، رغم تداعياته الداخلية والإقليمية على صورة الجزائر، موجها للفت نظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة أن تبون سعى لإظهار أن علاقته به جيدة.

وما يثير استغراب الجزائريين من الحديث عن التطبيع هو غياب المبرر السياسي؛ فلم تطرح أي جهة على الجزائر مسألة التطبيع، لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة، ولا يوجد وسطاء سعوا لمعرفة موقف الجزائر وشروطها. كما أن مواقفها في مجلس الأمن كانت ملتبسة إلى درجة أنها لم تثر غضب إسرائيل ولا اللوبي الداعم لها، والاهتمام بها يكاد يكون مفقودا.

ما يثير استغراب الجزائريين هو غياب المبرر السياسي؛ فلم تطرح أي جهة على الجزائر مسألة التطبيع، لا إسرائيل ولا أميركا

ورجح متابعون للشأن الجزائري أن يكون كلام تبون عن التطبيع محاولة للفت الأنظار إلى بلاده في وقت تحوز فيه دول إقليمية أخرى اهتماما لافتا في ملفات أخرى مختلفة، وأنه ربما أراد أن يحذو حذو السعودية التي يحظى موقفها من التطبيع بالاهتمام الدولي، وخاصة من الإسرائيليين والأميركيين والفلسطينيين، في حين أن الجزائر تجد نفسها بعيدة عن قضايا الشرق الأوسط.

لكن لماذا يريد الجزائريون أن يحظوا بالاهتمام من خلال الحديث عن التطبيع في وقت يبنون فيه سرديتهم لاستهداف المغرب على انتقاد تطبيع الرباط مع إسرائيل، وهو تناقض يكشف إحساس السلطات الجزائرية بضرورة مغادرة مربعات قديمة لم تجلب إليها إلا العزلة.

واستند تبون في فتح ملف التطبيع على مواقف سلفيه في قصر المرادية، وهما الرئيسان الراحلان الشاذلي بن جديد وعبدالعزيز بوتفليقة، اللذان أكدا أن المانع الوحيد في وجه أي علاقة بين الجزائر وإسرائيل هو عدم سماح تل أبيب بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

وكانت الدبلوماسية الجزائرية قد فعّلت حراكا داخل مجلس الأمن، بوصفها عضوا غير دائم، الأمر الذي أعطى الانطباع بأنها ثابتة على مواقفها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية رغم موجة التطبيع التي سادت المنطقة، وترديدها خطابا ناقدا للحكومات العربية المطبعة، حيث سبق لتبون أن رد على سؤال عن ذلك بأن “الجزائر لن تبارك ولن تهرول إلى التطبيع مع إسرائيل.”

وليس مستبعدا أن يكون الهدف من إثارة قضية التطبيع لفت نظر ترامب، وإشعاره بأن الجزائر ليست خصما بالرغم من وقوف الرئيس الأميركي الحاسم في ولايته الأولى لصالح دعم الطرح المغربي وسيادة المملكة على الصحراء، وهو الموقف الذي فتح الباب لاعتراف دولي واسع بمغربية الصحراء.

ولا يريد الجزائريون أن يستمر ترامب في تطوير العلاقة مع المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهو أمر سيضيف إلى نجاحات الرباط الإقليمية زخما وسيزيد عزلة الجزائر.

وبدا تبون حريصا على عدم توتير العلاقة بين الجزائر وإدارة ترامب، ولو بإشارات بسيطة، حيث غابت الشعارات والمزايدات في حديثه عن قضية التهجير، وسعى إلى إيجاد مبررات وتفسيرات لكلام الرئيس الأميركي.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت الجزائر وواشنطن في منأى عن التعثر بقضية غزة التي يريد ترامب نقل أعداد من سكانها إلى العيش في مصر أو الأردن، وصف تبون التعبير المستخدم بأنه “مؤسف”، وأنه في ذهن الرئيس الأميركي “ليس الأمر كذلك”، وأن “الأمر لا يتعلق بالشعب الفلسطيني الذي يحظى بالدعم في أوروبا، وفي العالم، وفي أفريقيا.”

وفي رسائل طمأنة على مستقبل العلاقات الجزائرية – الأميركية أكد الرئيس الجزائري أن “علاقات البلدين ظلت دائما جيدة، بما في ذلك خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، وعندما انتخبت في عام 2019، أرسل لي رسالة لتهنئتي بعد ساعات قليلة من ظهور النتائج، بينما استغرق الرئيس ماكرون أربعة أيام للاعتراف بانتخابي.”

لا يريد الجزائريون أن يستمر ترامب في تطوير العلاقة مع المغرب سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهو أمر سيضيف إلى نجاحات الرباط الإقليمية زخما وسيزيد عزلة الجزائر

وتابع “الولايات المتحدة هي التي طرحت القضية الجزائرية على الأمم المتحدة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي توجد فيها مدينة تحمل اسم الأمير عبدالقادر، وأكبر مشاريع الجزائر في قطاع المحروقات تم تنفيذها مع الأميركيين.”

ولفت إلى أنه بالإضافة إلى الولايات المتحدة تحافظ الجزائر على علاقات جيدة مع كل القوى الكبرى وكل دول المتوسط التي تستثمر مع البلد، فخلال الأيام الأخيرة تم استقبال قادة روس في الجزائر، وجرت زيارات أمنية ودبلوماسية ومشاورات على أعلى المستويات مع الولايات المتحدة.

وبشأن الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا أكد تبون للصحيفة الفرنسية أنه “من الآن فصاعدا الكرة في ملعب الإليزيه، حتى لا نسقط في افتراق غير قابل للإصلاح، وأن المناخ مع فرنسا أصبح ضارًا ونحن نضيع الوقت مع ماكرون،” في تلميح إلى ضرورة استغلال الإمكانيات المتبقية لإنقاذ العلاقات بين البلدين من الانهيار التام.

وأضاف “وزير الداخلية الفرنسي أراد توجيه ضربة سياسية للجزائر بمحاولة طرده مؤثرا جزائريا، وفرنسا تلاحق نشطاء جزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي وتحمي مجرمين ومخربين بمنحهم الجنسية وحق اللجوء،” في إشارة إلى بعض المعارضين واللاجئين السياسيين، وعلى رأسهم قيادة حركة استقلال القبائل (ماك) الانفصالية.

ولفت إلى أن “مزاعم بعض السياسيين الفرنسيين بأنها (الجزائر) معزولة، تُضحكنا. وبوعلام صنصال مشكلة بالنسبة إلى الذين خلقوها، ولم نسمع منه بعد كل الأسرار، وهو يتلقى العلاج ويكلم عائلته.”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: