الجزائر تبحث عن الوساطة في أزمة الكونغو بعد فشل في مالي
وساطة الجزائر في أزمة الكونغو لا تعدو أن تكون مجرد تسجيل حضور للاستثمار الإعلامي خاصة أن هناك وسطاء من المنطقة يتولون المهمة
أعلنت الجزائر، السبت، استعدادها لدعم جهود الوساطة الجارية لاستعادة السلم والاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، في وقت يتساءل فيه المراقبون عن جدية هذا المقترح لدبلوماسية تعيش تراجعا واضحا على المستوى الأفريقي، خاصة أنها فشلت في تأمين نجاح مصالحة على حدودها بين القوى المتخاصمة في مالي، فكيف يمكن أن تُنجح وساطة بعيدا عنها.
ويرى مراقبون أن عرض الوساطة الجزائرية لا يعدو أن يكون مجرد تسجيل حضور للاستثمار الإعلامي لاعتبارات منها أن هناك وسطاء من المنطقة القريبة من الصراع في الكونغو يتولون المهمة، وهم عارفون بمختلف تعقيدات الأزمة، ووجود طرف خارجي لن يجلب جديدا، وعلى العكس فربما يساهم في توتير مواقف المتصارعين.
ويفترض أن تدعم الدول الأفريقية الأعضاء الآليات المعتمدة رسميا، وتساعد في إنجاح مبادرات المؤسسات المشتركة لحل أي خلاف، وألا تربكها بعروض ثانوية هدفها تسجيل الحضور بطريقة قديمة لم تعد مستساغة.
وكان المغرب قد أعلن الثلاثاء دعمه أمام اجتماع وزاري لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الوساطة التي يقودها رئيس جمهورية أنغولا، جواو لورنسو، في إطار مسلسل لواندا، الذي يشكل إطارا أساسيا لتسوية هذه الأزمة.
وما يؤاخذ على الجزائر أنها تبحث عن التحرك الدبلوماسي بعيدا في حين أنها لم تنجح في الحافظ على اتفاق المصالحة في مالي الذي تم التوصل إليه في 2015، وهناك جهات مالية تحمّلها مسؤولية فشل الاتفاق بسبب انحياز الجزائر لمكونات انفصالية مالية ما أثار غضب الحكومة المالية.
واتهمت وزارة الخارجية المالية في يناير الماضي الجزائر بالتدخل في شؤون مالي الداخلية، وبرعاية تنظيمات إرهابية تهدد وحدة البلاد وسيادتها، في إشارة إلى دعمها الحركات السياسية الأزوادية، التي باتت عبر أذرعها العسكرية مصدر قلق لباماكو.
وأشار بيان الوزارة إلى أن منطقة الساحل تتجه نحو المزيد من التوتر وعدم الاستقرار، بعدما حاول التعبير عن موقف مشترك لحكومات الساحل الثلاث، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الأمر الذي يضع الجزائر في موقف حرج، ويضغط عليها لمراجعة دورها ونفوذها لدى المكون الأزوادي، الباحث عن الانفصال عن حكومات المنطقة بعدما كان يكتفي بالمطالبة بالاستقلال الذاتي.
وقالت الأمم المتحدة يوم الجمعة إن المتمردين المدعومين من رواندا يوسّعون وجودهم سريعا في شرق الكونغو بعد الاستيلاء على مدينة جوما، المدينة الرئيسية في المنطقة، وأعربت عن مخاوفها بشأن عمليات إعدام نفذها المتمردون بعد تصعيد كبير لتمرّدهم المستمر منذ سنوات.
وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إلى أن منظمة الصحة العالمية وشركاءها أجروا تقييما مع حكومة الكونغو في الفترة من 26 إلى 30 يناير “وذكروا أن 700 شخص قد قتلوا وأصيب 2800 آخرون” في جوما ومحيطها.
وقال رئيس قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جان بيير لاكروا في مؤتمر صحفي يوم الجمعة إن المتمردين الآن على بعد نحو 60 كيلومترا (37 ميلا) من بوكافو عاصمة إقليم جنوب كيفو و”يبدو أنهم يتحركون بسرعة كبيرة“.

يذكر أن اشتباكات عنيفة مستمرة منذ بداية العام الجاري بين جماعة حركة “إم 23” المتمردة وقوات الأمن في الجزء الشرقي من الكونغو الديمقراطية.
وحركة “إم 23” جماعة مسلحة متمردة تنشط في المناطق الشرقية من الكونغو الديمقراطية وبالأخص في مقاطعة كيفو الشمالية التي تحد أوغندا ورواندا.
ومنذ بداية العام، نزح أكثر من 400 ألف شخص بسبب الاشتباكات العنيفة المستمرة بين الحركة المتمردة وقوات الأمن في شرقي الكونغو الديمقراطية.
وبعد أن سيطرت على العديد من القرى والبلدات في المنطقة، أعلنت الحركة المتمردة، الخميس، أنها سيطرت على مدينة غوما.
وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية إن “الرئيس (عبدالمجيد) تبون أسدى تعليمات لوزير الخارجية أحمد عطاف، للاتصال بجميع وزراء خارجية الدول المعنية بهذا النزاع وكذلك وزراء خارجية الدول المنخرطة في الوساطة“.
وأوضحت أن هدف المسعى يتمثل في “تأكيد استعداد الجزائر للمساعدة في جهود الوساطة الجارية وبذل كل ما في وسعها للإسهام في إعادة السلم والاستقرار إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وإلى منطقة البحيرات الكبرى برمّتها“.
وأعربت عن “تشجيعها ودعمها لرئيس جمهورية أنغولا جواو لورينسو، ورئيس جمهورية كينيا ويليام روتو، في جهودهما الحثيثة والمتواصلة للوساطة بين جميع أطراف النزاع” رغم صعوبة المهمة.
ودعت الجزائر أطراف النزاع إلى ضبط النفس وخفض التصعيد بهدف تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف الحوار والتفاوض بشكل مسؤول من أجل استعادة السلام في المنطقة.