طريق “الألف عداء” ضد المغرب.. لا توصل

حقائق تاريخ المغرب وموروثاته مسجلة في المدونات التاريخية ومحفوظة في أقدم جامعات العالم وفي أغنى متاحفه وهي راسخة آثاراً في الأرض وفي تفاصيل الحياة اليومية للإنسان في المغرب.

الحكمة الصينية، المنسوبة لكونفوشيوس، والتي أحياها ماو تسي تونغ، تقول: “الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى”، حولتها خفة الروح المصرية الشهيرة، عند متجر قطنيات، وقفت عنده هذه الأيام في القاهرة، إلى “مشوار الألف ميل يبدأ بشراب (جوارب) قطن”. استعارة طريفة ولطيفة من شركة لاستمالة الزبائن لمنتجاتها.

في الجزائر، ودون حكمة موروثة للاستعانة بها، يكاد الإعلام الذي ينطقه جهاز الحرب الدعائية ضد المغرب، يقول: “الاستقواء برموز تراث حضاري عريق يبدأ بنشل تلك الرموز من المغرب،” والأمر كله يفتقر للصواب ولا يتوسل حتى بالطرافة. وآخر فصول هذا الإدمان المرضي هو ترديده، مرة أخرى، أن الزليج (قطع الفسيفساء) هو فن جزائري خالص، منذ حوالي 16 قرناً، وسرقه المغرب ثانية ليزين به أيقونة كأس أفريقيا لكرة القدم.

الصراخ بذلك البهتان له سوابق بادعاءات مماثلة شملت علامات حضارية مغربية مثل القفطان، الكسكس، الطاجين وغيرها، وهي رموز أقرت اليونسكو أنها مغربية خالصة وبشواهد تاريخية.

◄ الحملة العدائية ليست محصورة في “الزليج” أو القفطان، بل هي ممتدة إلى إشاعة البهتان في كل ما يتعلق بالمغرب سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وحتى اجتماعيًا

والتاريخ هو عقدة العقد لدى القيادة الجزائرية، لأنها تقود الدولة الوطنية الجزائرية الأولى في تاريخ الجزائر. المغرب الأوسط، كما تعرف به الجزائر في الجغرافيا وفي التاريخ، وقبل استقلالها سنة 1962، قبل الاحتلال الفرنسي الذي دام 130 سنة، كانت الجزائر ولاية عثمانية لحوالي خمسة قرون، وقبل ذلك كانت إقليماً ضمن الإمبراطورية المرابطية ثم الموحدية. وفي الفترة التي يقول الإعلام الجزائري إن “زليجها” أنتج فيها، أي قبل 16 قرناً، كانت خاضعة لحكم الوندال لحوالي قرنين.

في الموروث الحضاري الجزائري خليط من بصمات وآثار مرور إمبراطوريات وحضارات، كان يمكن أن تستثمره دولة الجزائر الآن إيجابياً، ثقافياً وسياسياً، وتتخلص من عقدة “اليتيم التاريخي”. تلك العقدة التي توجهها سياسياً في عداء مرضي للمغرب، وتلوث علاقاتها معه. لأن حقائق التاريخ هي مجرد حقائق وليست عيوباً أو عاهات أو نقائص، والتاريخ لا يفتعل وموروثه لا ينتشل.

حقائق تاريخ المغرب وموروثاته مسجلة في المدونات التاريخية ومحفوظة في أقدم جامعات العالم، وفي أغنى متاحفه. وهي راسخة آثاراً في الأرض وفي تفاصيل الحياة اليومية للإنسان في المغرب، لساناً، عمارةً ووجدانا. وهي تصون نفسها من العبث بها، وإن اعتبرت من تراث الإنسانية، لا تأبه بمحاولات استعارتها إعجاباً بها، أو تبنيها غيظاً منها.

الجهاز المكلف في الجزائر بدوام إشعال حملات العداء للمغرب يعرف تلك الحقائق، ولكنه مهتم بمحاولات تزوير كل الحقائق حول المغرب، في حاضره وفي تاريخه، هادفاً إلى دوام استنفار العداء الشعبي الجزائري ضد المغرب. يحقن الحالة النفسية الشعبية الجزائرية بمنشطات العداء للمغرب. ولهذا، يطارد الحضارة المغربية، في كل مظاهرها، ويزعم أنها سطو على منتجات جزائرية، فيستفز الذاتية الهوياتية الجزائرية ضد المغرب، لكي يسوقها إلى الاحتماء بالقيادة “الذائدة” عن “الأنا” الجزائرية. هي سياسية – عن سبق وإصرار وترصد – دعائية ومزدوجة الهدف، تهدف إلى شحن العداء الشعبي الجزائري ضد المغرب وتهدف إلى شحذ إقناع الجمهور الجزائري بجدوى قيادة الجنرالات للبلد. وهي في الحالتين فاشلة، بدليل انصراف الجزائريين عنها إلى مغالبة تحدياتهم المعيشية، وبدليل تعاظم السخط العام والذي تعكسه حملة “مانيش راضي”. ولكن الجهاز الدعائي للجنرالات لا يهتم، بل يصر على مواصلة المحاولات وعلى تكرار الافتعالات.

◄ التاريخ هو عقدة العقد لدى القيادة الجزائرية، لأنها تقود الدولة الوطنية الجزائرية الأولى في تاريخ الجزائر

وهذه الحملة الأخيرة مؤشر على التصعيد في العداء الجزائري ضد المغرب، مع تواصل انتصاراته الدبلوماسية على المنازعة الجزائرية في حقه الوحدوي الوطني، والتي تعززها مبادرات اقتصادية جاذبة للاهتمام وللتفاعل معها أفريقيًا ومتوسطيًا، مقابل اشتداد العزلة دوليًا على القيادة الجزائرية،
خاصةً والتحولات الجيوستراتيجية العالمية تضعها في حالة شرود
عنها.

وطبعا، الحملة العدائية ليست محصورة في “الزليج” أو القفطان، بل هي ممتدة إلى إشاعة البهتان في كل ما يتعلق بالمغرب سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وحتى اجتماعيًا.

التاجر المصري، بطرافة شعاره المستعير لحكمة “الألف ميل…”، لا شك سيحقق لبضاعته جاذبية تجارية. أما الإخوة في الجزائر، فلن يتحقق لهم من محاولة استعارة الرموز الحضارية المغربية غير الكساد سياسيًا، داخليًا وخارجيًا. أما المغرب، فإنه على طريق الألف الميل نحو تقدمه، يطوي المسافات ويحث الخطى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: