الخلاف حول الأمن المائي على رأس زيارة وزير الخارجية التونسي إلى الجزائر
الخلاف حول الأمن المائي على رأس زيارة وزير الخارجية التونسي إلى الجزائر
تضمّن بيان لوزارة الخارجية التونسية، قبل سفر الوزير محمد علي النفطي إلى الجزائر، مفردات منتقاة بدقة تشير إلى أن الزيارة سيكون عنوانها تسوية بعض الخلافات، منها ما يتعلق بالأمن المائي في ظل تقارير مختلفة تتحدث عن بناء الجزائر سدودا على الأودية المشتركة، وكذلك استعمالها المائدة المائية المشتركة مع ليبيا وتونس دون تنسيق.
ويرى مراقبون أن تونس تحتاج إلى خطاب هادئ يقوم على المصارحة والوضوح من أجل حل القضايا الخلافية مستفيدة من العلاقة السياسية الجيدة بين الرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وتقارب مواقفهما في ملفات أخرى ثنائية وإقليمية.
وتعرف تونس عادة بدبلوماسيتها الهادئة في حل الخلافات، وهو ما يفسر طرح النفطي عناصر الخلاف في هذا التوقيت، الذي تحتاج فيه الجزائر إلى تونس في ترتيبات إقليمية وكمتنفس لتخفيف العزلة التي وضعت نفسها فيها بسبب تزايد الخلافات مع محيطها الأفريقي وعدد من الدول الأوروبية.
وباتت تقارير محلية في تونس تتحدث عن تضرر منسوب وادي مجردة وضفافه ليس فقط بسبب الجفاف المسجل في السنوات الأخيرة، وإنما أيضا بسبب إقدام الجزائر على تشييد عدد من السدود على مستوى المنبع بمنطقة سوق أهراس، الأمر الذي أثر على الكميات التي تصل إلى المصب.
وفي جانب ثان تضم المنطقة الرابطة بين الجزائر وتونس وليبيا احتياطيات كبيرة من المياه الجوفية تقول تقارير مختلفة إن الجزائر شرعت في استغلالها في مشاريع زراعية أو استكشاف واستخراج الغاز الصخري دون تنسيق مع الشريكين المغاربيين، في وقت تحذر فيه التقارير الدولية من أن المنطقة المغاربية مقبلة على جفاف طويل الأمد.
وفي مسعى لطمأنة تونس وليبيا وقع الرئيس الجزائري في نوفمبر الماضي على الاتفاقية بين الدول الثلاث من أجل إنشاء لجنة “للتشاور حول المياه الجوفية المشتركة،” من دون تأكيدات رسمية بشأن التوقف عن استغلال المياه المشتركة إلى حين إنهاء اللجنة مهامها.
وفي أبريل الماضي اتّفقت الدول الثلاث على تعزيز الشراكة لإنشاء آلية للتشاور تخصّ المياه الجوفية، وعلى ضرورة تطوير مقاربة جديدة تهدف إلى الحفاظ على المصالح المشتركة، وتعزيز التعاون والتنسيق في مجال الموارد المائية بطريقة مستدامة، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ سيادة كل دولة على مياهها الجوفية.
لكن ليس معروفا إلى أي حد يمكن أن تستجيب الجزائر لطلبات تونس، وما الذي دفع بيان الخارجية التونسية إلى تضمين عناصر الخلاف قبل تحول الوزير إلى الجزائر، فهل هي محاولة لإخراج عناصر الخلاف إلى العلن، ولو بشكل هادئ، بعد الفشل في حلها عبر المفاوضات المباشرة بعيدا عن الأنظار، أم أن هناك رسالة واضحة من السلطات التونسية مفادها أن التقارب مع الجزائر ليس على حساب مصالح تونس وأمنها القومي، وذلك ردا على بعض المشككين الذين ينتقدون اندفاع تونس باتجاه الجزائر.
وكان بيان الخارجية التونسية قد كشف أن النفطي سيبحث مع نظيره الجزائري أحمد عطاف تعميق التعاون والشراكة المتضامنة في القطاعات الحيوية التي تشكل أولوية للجانبين، لاسيما الطاقة والأمن الغذائي والمائي والنقل والتجارة والهجرة غير النظامية.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن الحديث عن تحالف تونسي – جزائري لا يعني أن تونس يمكن أن تتنازل عن حقوقها، و”الاستثمار في المائدة المائية بالجنوب أمر ضروري، وبإمكان تونس دخول الصحراء والاستثمار.” وأضاف “على الجزائر أن تفهم أن تونس رقم صعب في معادلة شمال أفريقيا، ومن مصلحة الجزائر أن تعي ذلك، ولو أن تونس تغير تحالفاتها الإستراتيجية، فستصبح الجزائر محاصرة.” وتابع قائلا “الجزائر الآن تحتاج إلى تونس أكثر من أي وقت مضى.”
وزاد التقارب بين تونس والجزائر عقب 25 يوليو 2021، تاريخ الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد ومكنته من صلاحيات كاملة في قيادة البلاد.
وقدّمت الجزائر إلى تونس دعما واضحا في السنوات الأخيرة، خاصة في قضايا الكهرباء والغاز، وهو ما مكنها من تجاوز أوضاع صعبة. وأعلنت تونس تزودها بأكثر من 22 ألف طن من الغاز المنزلي من الجزائر لمواجهة حاجات متصاعدة لاستهلاكه بسبب موجة البرد التي تعيشها البلاد خلال فصل الشتاء.
ويشير المراقبون إلى أن الدعم الذي تحصل عليه تونس في مجال الطاقة والتقارب السياسي بين قيس سعيد وتبون لا يمكن أن يقودا تونس بأي شكل إلى التغاضي عن مسائل حيوية مثل تأمين أمنها المائي والغذائي في بلد يتمحور اقتصاده بدرجة أولى حول الزراعة.
وقلل المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني من المخاوف، وقال إن “الزيارة روتينية ودائما تكون هناك زيارات رسمية مشتركة إلى البلدين من قبل وفود أو وزراء، وتأتي في إطار تبادل الآراء تجاه القضايا المشتركة وعلى رأسها التغيرات الإقليمية والدولية وموضوع الهجرة غير النظامية.”
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “العلاقات بين تونس والجزائر نموذجية وكل ما يقال هو مجرد تسريبات، ولا أعتقد أن هناك مشاكل، وتاريخيا العلاقات دائما جيدة، كما سيتم التنسيق حول قضايا الطاقة والأمن المائي والهجرة والمشاريع الأخرى المهمة للبلدين.”
وأشار بيان الخارجية التونسية الأحد إلى أن وزيري خارجية تونس والجزائر سيناقشان ملفات أخرى تخص تحسين الخدمات القنصلية وتسهيل التنقل بين البلدين، بما يعزز أسس التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويخدم مصالح الجاليتين التونسية والجزائرية في بلدي الإقامة.