خطة ترامب لحل الأزمة الإنسانية في غزة تصدم مصر والأردن

وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملامح صادمة لخارطة طريق لحل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة على مقاس إسرائيل ورؤيتها، وأخرج ما كان يتم تداوله سرا إلى العلن منذ فترة بشأن ما عرف بـ”صفقة القرن” التي من بين بنودها ترحيل سكان غزة إلى مصر والأردن، وهو ما قد يُحدث ارتدادات سياسية في المنطقة، لأن المقترح يخلط أوراقا إقليمية، ويؤثر على استقرار دولتين حليفتين للولايات المتحدة وتربطهما بإسرائيل اتفاقيتا سلام.

وطرح الرئيس الأميركي خطة لتهجير فلسطينيي قطاع غزة، طالبا من مصر والأردن استقبالهم من أجل إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، ويمكن أن يكون “مؤقتا أو طويل الأجل”، وهو ما يتماشى مع رغبة اليمين المتطرف في إسرائيل.

وقال ترامب إنه ناقش مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني المسألة، ومن المقرر أن يبحثها أيضا مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اتصال هاتفي. لكن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أكد الأحد أن رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين هو أمر “ثابت لا يتغير”.


ودأبت القاهرة وعمّان، منذ تفجر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر من العام قبل الماضي، على رفض أي مخطط إسرائيلي أو غيره لنقل سكان قطاع غزة إلى الخارج، لما ينطوي عليه ذلك من تصفية للقضية الفلسطينية.

ورأى محللون أردنيون الأحد أن مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر هو “موقف عدائي” و”خطير جدا” ويمثل “تهديدا للأمن والاستقرار” في دول حليفة لواشنطن، وهو محاولة لـ”تصفية القضية الفلسطينية”.

وقال مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي “هذا موقف عدائي من الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الفلسطينيين أولا وتجاه الأردن ومصر ثانيا؛ تجاه الفلسطينيين لأنه يجردهم من حقهم في ممارسة حقوقهم الوطنية المشروعة في أرضهم ووطنهم، وهذا تهديد للأمن والاستقرار في الأردن ومصر ولن يمر بسلام.”

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي الأردني عادل محمود مقترح الرئيس ترامب “غير واقعي، وهو يترجم نوايا اليمين الإسرائيلي المتطرف الطامح إلى تهجير الفلسطينيين.”

وأضاف “الاقتراح هو محاولة للعمل على التهجير الناعم للفلسطينيين بذريعة إنسانية في ظاهرها ولكن في باطنها هي محاولة لتوطين الفلسطينيين في دول الجوار.”

وتوقع محمود أن “تمارس إدارة ترامب ضغوطا غير مسبوقة تحت الطاولة على الأردن للقبول بهذه الخطة، لكن الأردن سيتصدى للخطة فهو يرفض أن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين.”

ولم ينتظر ترامب صمود وقف إطلاق النار في غزة وتحويل الهدنة إلى وقف دائم، في إشارة تفيد بربط استئناف الحرب من قبل إسرائيل بخطته الجديدة، ما يضع مصر والأردن أمام خيار صعب، حيث سبق أن أعلنتا رفض تهجير سكان غزة قسرا أو طوعا.

وتعد فكرة ترامب جزءا من ترتيبات يتبناها لحل القضية الفلسطينية تنسجم مع رؤية إسرائيل، التي سعت لتفريغ قطاع غزة من سكانه بالإمعان في التقتيل والهدم على مدار نحو 15 شهرا من الحرب، لكن صمود الفلسطينيين وتمسكهم بالبقاء وضبط مصر أمنيا لكل حدودها مع غزة، أفشل تطبيق التهجير عن طريق الحرب، وجاء ترامب ليوجد للخطة فرصة من خلال الضغط أو الإقناع.

ويقول مراقبون إن المقترح هو جوهر ما تردد في عهد رئاسة ترامب الأولى، والمعروف بـ”صفقة القرن” ويقوم على اقتطاع جزء من الأراضي المصرية في سيناء والمحاذية للحدود مع غزة وبناء مساكن لتوطين آلاف الفلسطينيين فيها، مقابل منح مصر مكاسب اقتصادية سخية، إذا وافقت على النقل الطوعي وفقا لخطة ترامب.

المقترح الذي تردد في رئاسة ترامب الأولى والمعروف بـ”صفقة القرن” يقوم على اقتطاع جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين فيه

ويضيف هؤلاء المراقبون أن القاهرة رفضت مبكرا هذا السيناريو، وعارضته في العديد من المناسبات، وتصر على هذا الرفض وتعتبره “خطا أحمر”، ولن يتحمل الأردن زيادة سكانية تأتيه من غزة، تمهيدا لنقل عدد كبير من مواطني الضفة الغربية، ما يخل بالتركيبة السكانية في الأردن، ويجعلها تميل لصالح من هم من أصول فلسطينية.

ويتحسب مصريون لاحتمال أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الحادة إلى ممارسة ترامب ضغوطا مكثفة على بلدهم وإجباره على قبول خيار التوطين.

وقال المستشار في الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا التابعة للجيش المصري اللواء حمدي بخيت إن “حديث الرئيس ترامب له شقان، أحدهما للاستهلاك السياسي، والآخر محاولة جادة للضغط بهدف حدوث التهجير الفعلي، وفي الحالتين مصر سوف تتعامل مع الأمر بعقلانية، ولن تنجر نحو تصريحات استفزازية، والعبرة بما سيحدث على الأرض.”

وأضاف أن “هذا الخطاب هو جزء من الإستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ومحاولة قديمة – جديدة لتصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، ومصر لن تسمح بذلك، وأي اعتداء على ثوابت أمنها القومي سيواجه بصرامة وحزم.”

ولفت إلى أن “الحديث عن تهجير سكان غزة إلى سيناء يضع علاقة مصر مع الولايات المتحدة على المحك، ويهدد المصالح الأميركية في المنطقة، والعبث بها يؤدي إلى تعقيدات شديدة في العلاقات بينهما من جانب، وبين مصر وإسرائيل من جانب آخر، وبينهما اتفاقية سلام، وواشنطن لن تغامر بخسارة القاهرة كحليف في المنطقة.”

ومن المرجح أن يزيد هذا المقترح مخاوف سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، من احتمال طردهم من القطاع الساحلي. ويشعر الفلسطينيون منذ فترة طويلة بذكريات النكبة تطاردهم؛ فقد طُرد 700 ألف من منازلهم مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948.

وطُرد أو فر كثيرون منهم إلى الدول العربية المجاورة، بما في ذلك الأردن وسوريا ولبنان، ومازال كثيرون منهم أو من نسلهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في هذه الدول وبعضهم ذهب إلى غزة. وتشكك إسرائيل في الرواية التي تقول إنهم أُخرجوا من ديارهم.

وتوعّد عضو المكتب السياسي لحماس باسم نعيم، الأحد، بإفشال المقترح قائلا “شعبنا كما أفشل على مدار عقود كل خطط التهجير والوطن البديل سيفشل مثل هذه المشاريع.” وأدانت حركة الجهاد مقترح ترامب ورأته يندرج ضمن التشجيع على “ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه.”

والأحد وجد مقترح ترامب ترحيبا من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي رأى أنه “فكرة رائعة. بعد سنوات من تمجيد الإرهاب، سيكون بإمكانهم بناء حياة جديدة وجيدة في أماكن أخرى.”

وأثنى وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير على المقترح أيضا، معتبرا أن أحد مطالبه الأساسية كان تشجيع الفلسطينيين على الهجرة الطوعية من القطاع. ومن الحكمة أن تنفذ الحكومة الإسرائيلية مقترح قائد أكبر قوة في العالم.

ودخل تنفيذ اتفاق الهدنة في غزة أسبوعه الثاني، ونص على تسليم حماس رهائن احتجزتهم إلى إسرائيل، مقابل إفراج الأخيرة عن معتقلين فلسطينيين، لكنه قد يواجه عراقيل من الجانبين أو أحدهما الأيام المقبلة، ويتعثر ويعيد الحرب بينهما بعد أن بذلت إدارة الرئيس دونالد ترامب قبل تسلم السلطة بأيام جهودا كبيرة للتوصل إلى الاتفاق.

وكان صهر ترامب الذي كان موظفا في البيت الأبيض جاريد كوشنر اقترح سابقا أن تخرج إسرائيل المدنيين من غزة لإقامة مشاريع عقارية على الواجهة البحرية.

ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب غزة بأنها “موقع هدم”، قائلا “كل شيء مهدم تقريبا، والناس يموتون هناك، ومن الأفضل أن أتواصل مع بعض الدول العربية لبناء مساكن في موقع آخر، حيث يمكن لفلسطينيي غزة العيش في سلام.”

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: