بداية ساخنة للعلاقات الأميركية – السعودية مع عودة ترامب
وعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخميس بتعزيز استثمارات بلاده والعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بـ600 مليار دولار، في خطوة تكشف عن بداية ساخنة للعلاقة بين الرياض وإدارة دونالد ترامب. جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه ولي العهد السعودي مع ترامب بعد أدائه اليمين الدستورية وتوليه الرئاسة.
ويقول مراقبون إن التقارب الشخصي بين ولي العهد السعودي وترامب يمهد لتجاوز مخلفات التوتر الذي كان سائدا بين القيادة السعودية وإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، التي لم تراع أهمية السعودية في إستراتيجية الولايات المتحدة في الخليج والشرق الأوسط، وعملت على خلق عراقيل كثيرة أمام هذه العلاقة دون مبررات واضحة.
لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى ترامب، الذي سارع خلال ولايته الأولى إلى التقرب من السعودية، الشريك الهام لواشنطن في مجالي الطاقة والأمن منذ فترة طويلة، ومن المتوقع أن يدفع نحو تطوير الشراكة مع السعوديين، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
وقال ترامب، الخميس في كلمة إلى منتدى دافوس، إنه سيطلب من السعودية زيادة حزمة الاستثمارات المزمعة في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، وإنه سيطلب من المملكة ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض كلفة النفط.
◙ التقارب الشخصي بين الأمير محمد بن سلمان وترامب يساعد على تجاوز مخلفات التوتر الذي كان سائدا وقت إدارة بايدن
وأعلن البيت الأبيض أن ترامب وولي العهد السعودي تحدثا في الاتصال الهاتفي بينهما بشأن الطموحات الاقتصادية الدولية للمملكة خلال السنوات الأربع المقبلة والتجارة وغير ذلك من الفرص. كما تحدثا عن جهود تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب.
وتحتاج إدارة ترامب إلى السعودية في ما هو أبعد من الشراكة الثنائية لاقتناعها بأن الرياض ستكون إحدى الدول المهمة في إستراتيجية عزل إيران وممارسة الضغوط القصوى عليها، وإن كان السعوديون قد ردوا على تجاهل بايدن لمصالحهم بالانفتاح على إيران وفتح حوار معها ثنائيا وإقليميا، لكن وجود ترامب وموقفه الحازم ضدها قد يقودان إلى مراجعة الرياض موقفها، خاصة أن طهران فقدت عناصر قوتها الإقليمية بعد هزيمة حزب الله وإسقاط نظام بشار الأسد وانكفاء الميليشيات الحليفة في العراق.
ومن الوارد أن يتفهم ترامب مصلحة السعودية في المضي قدما نحو إنجاح الحوار في اليمن بشكل ينهي الحرب مع الحوثيين، وفي كل الحالات سيستفيد السعوديون من تشدد الرئيس الأميركي حيال الجماعة الموالية لإيران.
وأعلن ترامب الأربعاء إعادة إدراج جماعة أنصارالله المعروفة بالحوثي على قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية” بعد أن أزالتها إدارة بايدن من القائمة، في مؤشر على التصعيد ضد الجماعة ووقف تهديداتها لحركة الملاحة في البحر الأحمر.
ويحتاج ترامب إلى السعودية في تثبيت مسار التطبيع الإقليمي مع إسرائيل، ضمن مسار الاتفاقيات الإبراهيمية، ويضع ذلك هدفا رئيسيا في سياسته الخارجية. وكانت الرياض قد وضعت شروطا أمام هذا التطبيع من بينها قيام دولة فلسطينية، وهو شرط قد تتغاضى عنه في ضوء مواقف ترامب الداعمة بشكل كامل لإسرائيل.
ونقل ولي العهد السعودي أيضا خلال مكالمته مع ترامب تهنئة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ترامب بمناسبة توليه منصبه، وفق بيان للخارجية السعودية، مؤكدا “رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع.”
ولم توضح الخارجية مصدر الأموال، التي تمثل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أو كيف سيتم توجيهها. وكانت زيارة ترامب الخارجية الأولى عام 2017 إلى الرياض. والأسبوع الجاري قال مازحا إنّ تعهدات مالية كبيرة قد تقنعه بأنْ تكون السعودية مجددا أول بلد يزوره.
وقال ترامب “فعلت ذلك مع السعودية في المرة الماضية لأنها وافقت على شراء ما قيمته 450 مليار دولار من منتجاتنا.” وتابع مازحا أنه سيكرر الزيارة “إذا أرادت السعودية شراء 450 أو 500 مليار دولار أخرى (…) فسوف نزيدها بمواجهة التضخم.”
وبعدما كانت على وشك التطبيع مع إسرائيل أوقفت المملكة العربية السعودية المحادثات مع المسؤولين الأميركيين حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد مرور أيام قليلة على اندلاع الحرب في غزة، وأصرت مرارا وتكرارا على أنها لن تعترف بإسرائيل من دون الاعتراف بدولة فلسطينية.
◙ من الوارد أن يتفهم ترامب مصلحة السعودية في المضي قدما نحو إنجاح الحوار في اليمن بشكل ينهي الحرب مع الحوثيين
ومع ذلك فإن وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره في غزة والتخفيف المحتمل للتوترات الإقليمية قد يمهدان لاستئناف الحوار. وفي مقابل الاعتراف بإسرائيل، تأمل السعودية في توقيع اتفاقية دفاع مع واشنطن وتلقّي مساعدة واشنطن على إنشاء برنامج نووي مدني.
وفي اتصال هاتفي منفصل الخميس مع ولي العهد السعودي، بحث وزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو الأوضاع في سوريا ولبنان وغزة و”التهديدات التي تشكلها إيران ووكلاؤها.”
وقالت متحدثة باسم روبيو إنهما “ناقشا أيضا فوائد الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية والفرص المتاحة لتنمية اقتصاديهما في مجموعة متنوعة من المجالات، من بينها الذكاء الاصطناعي.” وحين وصل ترامب إلى الرياض في مايو 2017 أقيم له استقبال حافل تضمن رقصات بالسيوف وتحليق طائرات للقوات الجوية.
لكن العلاقة بين الطرفين أصابها فتور في وقت لاحق، إذ انتقد ولي العهد السعودي ترامب لعدم رده بشكل حازم على هجوم تعرضت له المملكة عام 2019 وأدى إلى خفض إنتاجها من النفط إلى النصف، وقد حمّلت الرياض إيران مسؤولية هذا الهجوم.
ورغم ذلك سعت الرياض وفريق ترامب إلى تعزيز العلاقات بعد أن غادر الرئيس الجمهوري البيت الأبيض، وذلك عبر استثمارات وعقود بناء مُنحت لشركة الرئيس الأميركي. كما دافع جاريد كوشنر، صهر ترامب، عن تلقيه استثمارات سعودية في شركته الخاصة تقدر بعض التقارير قيمتها بنحو ملياري دولار.