احتجاجات تلاميذية تهز الجزائر.. والنظام العسكري يقف عاجزا ويختبئ وراء نظرية المؤامرة
فيديوتشهد الجزائر منذ أيام سلسلة من الاحتجاجات التي قادها تلاميذ التعليم الثانوي في عدة ولايات، معبرين عن استيائهم من الوضع التعليمي وظروف الدراسة. انطلقت شرارة الاحتجاجات من مؤسسات تعليمية في العاصمة لتنتقل بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مدن أخرى مثل وهران وقسنطينة وعنابة، حيث خرج التلاميذ إلى الشوارع رافعين شعارات تنتقد النظام التربوي وتطالب بإصلاحات عاجلة. وأمام عجز نظام « القوة الضاربة » عن احتواء الاحتجاجات التلاميذية، لم يجد كعادته من مبررا لها سوى اتهام « أطراف خارجية » بالسعي إلى إثارة الفوضى داخل المجتمع عبر استغلال « المراهقين ».
لليوم الثالث على التوالي، تتواصل احتجاجات تلاميذ الثانويات في الجزائر، حيث نزلوا إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بإصلاحات عاجلة. وفيما تعزو السلطات هذه التحركات إلى احتمال وجود أطراف تحرّض التلاميذ على التصعيد، دعت جمعيات أولياء الأمور العائلات إلى التدخل لتهدئة الأوضاع ومنع تفاقم الاحتجاجات.
وانخرط آلاف التلاميذ في الاستجابة لدعوة انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الاتفاق على أهداف مشتركة وهي إجبار وزارة التربية الوطنية على التخفيف من البرنامج الدراسي وساعات الدراسة.
وتزامن احتجاج التلاميذ مع التفاعل الواسع في الأوساط الشعبية، الذي تعرفه حملة «#مانيش_راضي» على منصات التواصل الاجتماعي، والتي يطالب من خلالها الجزائريون بدولة مدنية، معبرين عن سخطهم تجاه الوضع المعيشي والسياسي في البلاد نتيجة استمرار النظام العسكري في الاستيلاء على الحكم.
فشل النظام التربوي
تعددت الأسباب التي دفعت تلاميذ الثانوي في الجزائر إلى النزول إلى الشوارع والاحتجاج بشكل جماعي، لتشمل عوامل تعليمية وبنيوية وحتى نفسية، مما يعكس عمق الأزمة التي يعاني منها القطاع التربوي في بلاد « القوة الضاربة ».
في مقدمة هذه الأسباب تأتي المناهج الدراسية المثقلة، حيث يشتكي التلاميذ من حجم المواد وصعوبتها، معتبرين أنها تفوق قدراتهم الذهنية ولا تراعي تطور العصر واحتياجات سوق العمل. كما أبدى التلاميذ استياءهم من غياب التوازن بين المقررات الدراسية والزمن المخصص لدراستها، وهو ما يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا عليهم، خاصة مع تأخر توزيع الكتب المدرسية في العديد من المناطق.
إلى جانب ذلك، تبرز مشكلات البنية التحتية للمدارس كعامل رئيسي آخر. فالعديد من المؤسسات التعليمية تعاني من تردي حالتها، بما في ذلك نقص التدفئة في الفصول خلال الشتاء، واهتراء المباني وافتقارها إلى مرافق أساسية كالمكتبات والمختبرات. في المناطق الريفية، تفاقمت الأوضاع مع غياب وسائل النقل المدرسي، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى المدارس، خاصة بالنسبة للتلاميذ الذين يقطعون مسافات طويلة يوميا.
من جانب آخر، جاءت الاحتجاجات كرد فعل على ما وصفه التلاميذ بـ«الإجراءات العشوائية» التي تفرضها الوزارة، مثل الجداول الزمنية المرهقة وسياسة الامتحانات، حيث طالبوا بتأجيل بعض الاختبارات بسبب الظروف غير المواتية للتحضير الجيد. كما أن الشعور بالتمييز بين المدارس الحكومية والخاصة أثار امتعاض الكثيرين، إذ يعتبرون أن هناك فجوة واضحة في مستوى التعليم والخدمات المقدمة.
كما لا يمكن إغفال العامل النفسي، حيث يشعر التلاميذ بالإحباط وانعدام الثقة في نظام تعليمي يرونه غير قادر على توفير مستقبل واعد لهم، وهو ما دفعهم للتعبير عن رفضهم للوضع القائم من خلال الاحتجاجات.
شماعة «الأطراف الخارجية»
جاء رد السلطات الجزائرية على احتجاجات التلاميذ بوصفها بـ«المفاجئة»، مما يعكس افتقار الحكومة إلى قراءة مسبقة لحالة الاحتقان داخل المؤسسات التعليمية. وبدل أن تسارع إلى دراسة المطالب والبحث عن حلول ملموسة لتحسين الوضع التعليمي، لجأت كعادتها إلى اتهام « أطراف خارجية » بتحريض التلاميذ على الاحتجاج واستغلالها كوسيلة لزعزعة الاستقرار.
وزير التربية محمد صغير سعداوي أشار في تصريحاته إلى أن هذه التحركات قد تكون مدفوعة من «جهات تسعى لإثارة الفوضى »، معتبرا أن استجابة التلاميذ للدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو « دليل على وجود أجندات خفية وراء الاحتجاجات ».
غير أن هذا الخطاب لم يقنع الكثيرين، حيث انتقدت نقابات تعليمية ومنظمات حقوقية هذه التصريحات، معتبرة أنها تهرّب واضح من المسؤولية وعجز عن مواجهة الواقع.
وفي المقابل، يرى مراقبون أن السلطات تستمر في استخدام شماعة « الأطراف الخارجية » للتغطية على الإخفاقات الداخلية، وهو ما يزيد من حدة التوتر بين النظام الحاكم والمجتمع، ويعزز من شعور التلاميذ وأولياء أمورهم بأن مطالبهم تذهب أدراج الرياح.
تسخير الإعلام لتشويه التلاميذ
أمام تصاعد الاحتجاجات التلاميذية واتساع رقعتها، أظهر النظام الجزائري عجزا واضحا عن التعامل مع الأزمة بشكل فعّال، متخليا عن دوره في إيجاد حلول عملية للمشكلات التي دفعت التلاميذ إلى مغادرة فصولهم الدراسية والخروج إلى الشوارع.
وبدلا من الاستماع إلى المطالب أو التفاوض مع المحتجين، لجأت السلطات إلى وسائل الإعلام الحكومية والخاصة لتشويه صورة التلاميذ، حيث وصفتهم بالمراهقين الساذجين ووصفت احتجاجاتهم بالمشبوهة والمحرّضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفقا لتصريحات منشورة في جريدة « الشروق » الجزائرية، أكدت السلطات وجمعيات أولياء التلاميذ أن هذه الاحتجاجات « تم تحريضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال حسابات مجهولة تهدف إلى إثارة البلبلة وزعزعة الاستقرار في قطاع التربية والتعليم. »
نظام عاجز يستنجد بالجمعيات
في مواجهة استمرار الاحتجاجات وفشل النظام في إيقافها، لجأت السلطات إلى جمعيات أولياء التلاميذ، مطالبة إياها بالتدخل لتهدئة الأوضاع. ودعت هذه الجمعيات إلى إقناع التلاميذ بعدم الانسياق وراء « الدعوات المجهولة » التي وصفتها بالهدامة.
ووصفت الجمعيات هذه التحركات بـ« المشبوهة »، واعتبرت أن استغلال مراهقين قُصَّر للتظاهر في الشوارع يُعدّ دليلا على وجود مخططات تستهدف الأمن المجتمعي. كما شددت على أن المطالب المرفوعة، مثل تقليص الدروس أو حل مشكلات الاكتظاظ والتدفئة، يمكن التعامل معها ضمن إطار مؤسسي وبيداغوجي، وليس عبر مظاهرات في منتصف السنة الدراسية.
ودعت السلطات، ممثلة في جمعيات أولياء التلاميذ، العائلات إلى ضرورة مرافقة أبنائهم ومنعهم من الانجرار وراء هذه الدعوات التي وصفتها بـ« المضللة ». وأشارت إلى أن انتشار الأخبار بسرعة عبر منصات التواصل الرقمي ساهم في تعبئة التلاميذ، ما يعكس هشاشة الوعي الرقمي لديهم وسهولة تأثرهم بالدعاية المغرضة.
في المقابل، أبدى اتحاد أولياء التلاميذ قلقه البالغ من استغلال التلاميذ في هذه الاحتجاجات، داعيا إلى تعزيز قنوات الحوار داخل المؤسسات التربوية وإيجاد حلول جذرية للمشكلات المطروحة. كما حذر من أن مثل هذه الاحتجاجات قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنظومة التربوية، مؤكدا ضرورة التكاتف للتصدي لما وصفه بـ« مؤامرات » تهدف إلى تعطيل مسار التعليم وإثارة الفوضى.
إن طريقة تعامل النظام مع الاحتجاجات التلاميذية، وكما سبق أن تعاملت قبل أسابيع مع احتجاجات طلبة الطب، تعكس افتقار النظام إلى استراتيجية واضحة لمعالجة الأزمات التربوية، واعتماده على التبريرات الأمنية والاتهامات بدلا من تقديم حلول تربوية وإدارية تُعالج جذور المشكلة.
كما يعكس هذا الخطاب الرسمي إصرار السلطات على تبني استراتيجية « نظرية المؤامرة » كنهج ثابت في مواجهة أية حركة احتجاجية، متجاهلة بذلك الاعتراف بالمشكلات الحقيقية التي دفعت التلاميذ إلى التظاهر.
وهكذا ستظل قضايا مثل ضعف البنية التحتية للمؤسسات التعليمية وضغط المناهج الدراسية دون حلول ملموسة، مما سيزيد من تعقيد الأزمة بدلا من معالجتها بشكل جذري.