ترامب في البيت الأبيض.. رجل كل التناقضات والمفاجآت

بعد أيام قليلة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض طويت صفحة بايدن وإدارته. ما لم يطو هو الأسئلة الكبيرة التي يطرحها انتصار ترامب في انتخابات رئاسية رفع فيها شعارات خارجة عن المألوف.

دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددا. دخلت معه كلّ الأسئلة التي يثيرها رجل عرف كيف يخلق المفاجآت وكيف يجمع بين كلّ التناقضات وأن يحوّلها إلى مصلحته، بل أن يجعلها في خدمته. هاجم إدارة سلفه جو بايدن بشدّة وتعاون معها عندما دعت الحاجة إلى ذلك. من يتحدث حاليا عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة بعد حرب استمرت 15 شهرا، إنما يتحدث عن الساحر دونالد ترامب الذي اقنع بنيامين نتنياهو، قبل بدء ولايته الرئاسيّة، بالرضوخ لمشيئته ودجّن في الوقت ذاته حركة مثل “حماس” لا يهمها ما يحلّ بغزة ولا بالمواطن الفلسطيني حيثما وجد..

لم يكن ممكنا الوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار في غزّة، وتبادل لرهائن تحتجزهم “حماس” منذ هجوم “طوفان الأقصى” بسجناء فلسطينيين، لولا التنسيق بين إدارتي جو بايدن ودونالد ترامب الذي عاد رئيسا للولايات المتحدة.

كان التنسيق بين الإدارتين في العمق وقد سار على ما يرام بيسر وسهولة، بين مستشار الأمن القومي في عهد بايدن، جيك سوليفان، والمستشار الجديد مايك والتز الذي سيلعب دورا مهما، بل محوريا، في عهد ترامب.

◄ سقوط أوكرانيا التي تعرّضت لعدوان روسي مكشوف هو سقوط لأوروبا كلها. هل هذا ما يطمح إليه دونالد ترامب الذي أدرك باكرا معنى ضرورة وقف المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة؟

يدلّ التنسيق بين الإدارتين على أن الرئيس ترامب فرض نفسه على السياسة الشرق أوسطية قبل دخوله البيت الأبيض يوم 20 يناير الجاري. كان ترامب حازما وحاسما في ما يخصّ كيفية تعاطيه مع بنيامين نتنياهو. كان الأخير يفضّل، قبل التوصل إلى اتفاق مع “حماس”، مزيدا من الوقت والقدرة على المناورة في انتظار تسّلم الرئيس الجديد – القديم مهماته.

ما ينطبق على رئيس الوزراء الإسرائيلي، ينطبق أيضا على “حماس” التي كانت تفضّل بدورها الانتظار لبعض الوقت قبل إطلاق عدد من الرهائن الذين تحتفظ بهم.

يبدو الموقف الداعم لإسرائيل الجامع الوحيد بين إدارتي بايدن وترامب. في شأن كلّ ما تبقى، يوجد فارق كبير بين إدارتين تختلفان حتّى على كيفية التعاطي مع تغيير الرجل لجنسه وكيفية التعاطي مع الهجرة إلى الولايات المتحدة.

وصل الأمر بالإدارتين، في ما يخصّ التنسيق بينهما، إلى توفير ضمانات لإسرائيل وتأييد موقفها من كيفية التعاطي مع مرحلة ما بعد اتفاق غزّة ورفض عودة “حماس” إلى سيطرتها على القطاع. لم يخف كبار المسؤولين الإسرائيليين رغبة في العودة إلى الحرب في حال إصرار “حماس” على إبقاء غزّة تحت سيطرتها. شدّد هؤلاء على تأييد أميركي كامل لهذا الموقف. من يتمعّن في تصرفات “حماس”، مباشرة بعد وقف إطلاق النار، يجد أن الحركة تفعل كلّ ما تستطيع من أجل تمكين الوحش الإسرائيلي من معاودة القتال وتدمير ما لم يستطع تدميره في الشهور الـ15 الأخيرة.

◄ ليس معروفا إلى أيّ حد سيذهب الرئيس الأميركي في مراعاة فلاديمير بوتين واستفزاز أوروبا

الآن، بعد أيام قليلة من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، طويت صفحة جو بايدن وإدارته. ما لم يطو هو الأسئلة الكبيرة التي يطرحها انتصار دونالد ترامب في انتخابات رئاسية رفع فيها شعارات خارجة عن المألوف. من بين تلك الشعارات إنهاء الحرب الأوكرانية. ما الذي يعنيه ذلك على صعيد العلاقات الأميركية – الأوروبيّة؟ هل سيتخلّى ترامب عن أوكرانيا إرضاء لفلاديمير بوتين مع ما يعنيه ذلك من تهديد مباشر لكلّ دولة أوروبيّة؟

ليس سرّا، أنّ سقوط أوكرانيا التي تعرّضت لعدوان روسي مكشوف، هو سقوط لأوروبا كلها. هل هذا ما يطمح إليه دونالد ترامب الذي أدرك باكرا معنى ضرورة وقف المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة؟

اتخذ ترامب موقفا في غاية الحذاقة عندما أمر بالتخلص من قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني وذلك قبيل خروجه من البيت الأبيض في بداية العام 2020  إثر انتهاء ولايته الرئاسية الأولى. ليس طبيعيا أن يسمح رجل، عرف معنى التخلص من قاسم سليماني وأبعاده الإقليمية، بالتهاون مع فلاديمير بوتين وإدراك أنّ ذلك ستكون له نتائج كارثيّة على الصعيد الأوروبي من جهة وعلى صعيد الأمن الدولي من جهة أخرى.

ثمة أسئلة أخرى أثارها ترامب في الأيام التي سبقت عودته إلى البيت الأبيض. بين تلك الأسئلة الأسباب التي دفعت به إلى التحدث عن ضمّ كندا وغرينلاند وبنما إلى الولايات المتحدة.

◄ الساحر دونالد ترامب الذي اقنع بنيامين نتنياهو، قبل بدء ولايته الرئاسيّة، بالرضوخ لمشيئته ودجّن في الوقت ذاته حركة مثل “حماس” لا يهمها ما يحلّ بغزة ولا بالمواطن الفلسطيني حيثما وجد

إذا وضعنا جانبا إسرائيل، ليس سهلا التكهن بسياسة دونالد ترامب التي تبدو أحجية أكثر من أيّ شيء آخر. أمس كان ترامب يعتبر الصين منافسا أساسيا للولايات المتحدة في مجال التجارة العالمية. قرّر فرض رسوم جمركية على كل ما هو آت من الصين. اليوم، قرر زيارة بكين في فترة المئة يوم الأولى من ولايته. سيزور الصين من أجل ماذا ومن أجل الوصول على أيّ نوع من التفاهم في شأن أيّ موضوع؟

يصعب فهم سياسة ترامب وفكّ أحجية هذه السياسة. ليس معروفا إلى أيّ حد سيذهب الرئيس الأميركي في مراعاة فلاديمير بوتين واستفزاز أوروبا مباشرة أو عبر حليفه إيلون ماسك، أغنى أغنياء العالم، الذي بات لديه موقع رسمي في الإدارة الجديدة. الثابت أنّ البيت الأبيض سيلعب دورا كبيرا على صعيد السياسة الخارجية. ليس ما يشير إلى الآن إلى علاقة تعاون وتنسيق بين ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو الذي فوجئ من دون شكّ بكلام ترامب عن كندا وغرينلاند وبنما. كان لافتا اعتماد روبيو الصمت طوال المرحلة التي تلت انتخاب ترامب رئيسا في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي.

سبق لروبيو القول في العام 2015 إن “الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في التاريخ العالمي التي حركتها الرغبة في نشر الحريّة بدل توسيع أراضيها.” ما موقف وزير الخارجية الجديد من توجهات ترامب وكلامه عن كندا وغرينلاند وبنما؟

مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، دخل العالم مرحلة يكتنفها الغموض. في البيت الأبيض رجل كلّ المفاجآت والتناقضات، أكان ذلك مع أقرب الحلفاء في أوروبا أو مع ألدّ الأعداء في إيران..

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: