برنارد لوغان يكتب: «إذا كان هناك استعمار يجب إنهاؤه فهو في غرب الجزائر»
حل برنارد لوغان ضيفا، يوم الثلاثاء 14 يناير، في برنامج «لاماتينال» (La Matinale)، الذي يبث على قناة يوتوب التابعة للوسيلة الإعلامية الفرنسية «توكسان» (Tocsin). وكانت فرصة للمؤرخ المهتم بالشؤون الأفريقية لتسليط الضوء على التوتر الحالي في العلاقات الفرنسية-الجزائرية، والتي يشكل المغرب مركزها.
المؤرخ الذي يصدر كتابه الجديد بعنوان « تاريخ الجزائر » (Histoires des Algéries) خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة عن دار النشر الفرنسية « Ellipses »، عاد خلال هذا الحوار إلى تاريخ العلاقات بين فرنسا والجزائر لفهم الأحداث الجارية بشكل أفضل، والتي تهيمن عليها الدعوات لارتكاب أعمال عنف على الأراضي الفرنسية من قبل مؤثرين جزائريين مقيمين فوق التراب الفرنسي أو اعتقال الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر في نونبر الماضي.
العلاقات الفرنسية-الجزائرية في ضوء التاريخ
العلاقات بين فرنسا والجزائر هي علاقات « بلد قديم وبلد لم يكن موجودا ». بلد أنشأته فرنسا ابتداء من عام 1830. بلد أطلقت عليه فرنسا اسمها الحالي -الجزائر-، لأنه قبل ذلك لم يكن اسم الجزائر موجودا »، يؤكد برنارد لوغان منذ البداية. ثم يتناول المؤرخ جوهر المشكلة، فيقول: « إن فرنسا خلقت الجزائر ضمن حدودها الحالية (…) وهذه الحدود الحالية خلقتها من خلال بتر أراض مغربية ».
وهذا الموقف يشبه موقف بوعلام صنصال الذي سجنه النظام الجزائري بسبب دعمه في برنامج « Frontières » أن الصحراء الشرقية أرض مغربية. ويذكر برنارد لوغان أنه عندما حلت فرنسا في الجزائر عام 1830، كان الجزء الشرقي من الجزائر، جنوب وهران، مغربيا بكامله. وأكد المؤرخ قائلا: « إن مناطق كولومب-بشا، وتوات، وتيديكلت، وقورارة، وتبلبالة، والساورة… كل هذه المناطق كانت مغربية منذ أقدم العصور مع ممثلين لسلطان المغرب. جميع الأرشيفات المغربية مجمعة على هذه المسألة، وكذا تقارير الدبلوماسيين ».
وهكذا تعيش الجزائر مشكلة تحديد هوية، لأن « الوحدة الجزائرية مصطنعة تماما، حديثة ولا تزال هشة »، كما يحلل برنارد لوغان الذي يرى أن المشكلة، التي بقيت على حالها منذ إنشاء الجزائر، حافظت عليها فرنسا المذنبة بمواقفها، التي ظلت « مطأطأة الرأس، بفعل حبل ملتف حول عنقها، منذ عام 1962″. وهذا هو السبب، كما يوضح لوغان، في أن « الجزائريين اعتادوا (…) عندما يواجهون أمام كيان ينحني أمام طلباتهم (…) على دفع الأمور إلى أبعد الحدود ».
«الصحراء الغربية»: مشكلة اختلقتها الجزائر
وجاءت الطفرة الفرنسية من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء في يوليوز الماضي، لأنه، حسب المؤرخ، كان من الضروري حينها « اتخاذ قرار جيوسياسي، وهو أمر أساسي، وهو الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية ». بالنسبة لبرنارد لوغان، فإن هذا الاعتراف منطقي، لأن « قضية الصحراء الغربية هي قضية مصطنعة تماما (…) تم اختلاقها من قبل الجزائر ».
وهذا الموضوع المحدد، الذي تناوله في كتابه الأخير « الصحراء الغربية في عشرة أسئلة » الصادر عن نفس دار النشر الفرنسية « Ellipses »، يفسر بطموحات الجزائر التوسعية. « يكفي أن تنظر إلى خريطة الجزائر لترى أنها عبارة عن رأس صغير يطل على البحر الأبيض المتوسط مع بطن هائل داخل الصحراء »، يشرح برنارد لوغان، موضحا في موضوع هذه الصحراء: « لم تكن تمتلكها قط »، « لأنها لم تكن موجودة قبل عام 1830″، وأنها أعطيت لها من قبل الجنرال ديغول « بطريقة غير مفهومة على الإطلاق ».
ولذلك تتطلع الجزائر إلى ساحل المغرب الأطلسي، الذي يزيد طوله على 2500 كيلومتر، لتعويض نافذتها الصغيرة على البحر الأبيض المتوسط. « لقد كانت الجزائر تريد دائما قطع المغرب عن جنوبها من أجل الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي. ولم يكن بوسعها أن تحصل على ذلك بشكل مباشر، لذلك اصطنعت دولة صحراوية وهمية تطالب باستقلالها، وشعب لم يوجد قط يطالب بهذا الاستقلال، من أجل خلق منطقة في جنوب المغرب وعلى طول المحيط الأطلسي، دولة وهمية تكون تحت حمايتها الكاملة، والتي ستسمح لها بالوصول إلى المحيط الأطلسي »، يؤكد برنارد لوغان.
بالنسبة للمؤرخ، هذا هو لب المشكلة، لكن لا ينبغي لنا أن ننسى الأراضي المغربية التي ضمتها فرنسا عند إنشائها والتي لم يستردها المغرب بعد استقلاله. لأنه « إذا كان هناك استعمار يجب إنهاؤه، فهو في غرب الجزائر »، يؤكد برنارد لوغان في مواجهة ما يعتبره عملية « التلاعب » التي يعرفها الجميع.
الاقتصاد هو وسيلة الضغط الأخرى المتاحة لفرنسا
بالإضافة إلى مراجعة سياستها في مجال الهجرة، ولا سيما من خلال إلغاء اتفاق عام 1968، أو تعليق السفر بدون تأشيرة الذي كان ممكنا في السابق لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية (عشرات الآلاف)، فإن فرنسا لديها أوراق أخرى في جعبتها للضغط على الجزائر.
وعندما سئل برنار لوغان عن الكيفية التي ينبغي لفرنسا أن ترد بها الآن على استفزازات الجزائر، قدم الأرقام وتحدث عن الاقتصاد، أحد الأدوات المهمة في الحرب، من أجل إظهار الموارد الكبيرة المتاحة لفرنسا. وقال: « فرنسا قد تقطع كل علاقاتها مع الجزائر غدا، ولن تكون هناك عواقب بالنسبة لها »، آخذا على سبيل المثال الغاز الجزائري الذي يمثل فقط 8% من الاستهلاك الفرنسي والنفط الجزائري الذي يمثل 9% من الاستهلاك الفرنسي. ويمكن استبدالها بسهولة. وأخيرا، يعتمد على أرقام التجارة الخارجية لفرنسا، التي تصل في المتوسط إلى 770 مليار أورو، حيث تبلغ حصة الجزائر منها فقط 12 مليار أورو.
وبالمقابل، أكد أن فرنسا تلعب دورا مهما في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر والتي تسمح بتطور الاقتصاد والصناعة الجزائرية. وهكذا، إذا كان مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر يبلغ 6 مليارات أورو، فإن فرنسا تستحوذ على 50 % منها. ويرى برنارد لوغان أن «وسائل الابتزاز والانتقام والتأثير التي نملكها على الجزائر كبيرة».
ما هي الدوافع وراء الإفراج المحتمل عن بوعلام صنصال؟
ولكن ما هو مستقبل بوعلام صنصال الذي لا يزال رهينة في السجون الجزائرية بسبب اتهامه بالخيانة؟ إطلاق سراحه ليس مستبعدا، بحسب المؤرخ الذي يرى أن السيناريو المحتمل هو يعمل الجزائريون على زيادة التوتر حتى تحين اللحظة المناسبة، حيث « سيلعبون دور الأسياد بإطلاق سراحه ». وبهذه الطريقة، سوف يحصدون ثناء المؤرخين المنحازين للجزائر ووسائل الإعلام الفرنسية، الذين سيرون في هذا التحرير رد فعل إنساني، كما يتوقع برنارد لوغان. وهذا السيناريو قد يكون أكثر قابلية للتحقق، لأن الجزائر وصلت إلى طريق مسدود.
ولكنه يستدرك قائلا: « لا يمكننا الحسم في أي شيء، لأن النظام الجزائري حقود، وكل شيء ممكن مع الجزائر ». نحن لا نتعامل مع أشخاص لديهم مواقف متماسكة ويلتزمون بالممارسات الدبلوماسية التقليدية »، وفق المؤرخ الفرنسي.
وختم بالقول: « نحن أمام دولة ثورية، تم إنشاؤها بشكل مصطنع. نحن لسنا أمام دولة قديمة، بدبلوماسيتها، وبرفعتها، وبسمو أخلاقها، مثل المغرب ».