يقترب المغرب من تنفيذ قانون العقوبات البديلة الذي يعتبر خطوة متقدمة في مجال إجراءات قضائية أكثر كفاءة وعدالة، تقدم فرصة جديدة للمحكوم عليهم للاندماج في المجتمع من جهة، ومن جهة ثانية يساهم في الحد من ظاهرة الاكتظاظ في السجون.
كشف وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، أن تنفيذ بنود القانون المتعلق بالعقوبات البديلة سيتم عما قريب ووفق المدة التي حددها القانون الذي يعتبر خطوة بارزة في مسار إصلاح المنظومة الجنائية بالبلاد، وتيسير الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم وإقرار العدالة التصالحية.
وقال وهبي الاثنين خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أنه بناء على نتائج اجتماع ترأسه رئيس الحكومة في هذا الشأن، تم تشكيل ثلاث لجان مختصة، ستناط بالأولى مهام التطبيق القضائي لنظام العقوبات البديلة، بينما ستتكفل الثانية بصياغة النصين التنظيميين، أما اللجنة الثالثة فستتولى اختيار الشركة المراد التعاقد معها.
وفي إطار الإجراءات التي تم اتخاذها تمهيدا لتنفيذ هذا النص القانوني، أوضح وهبي أنه تم تنظيم دورات تدريبية لصالح القضاة بالتعاون مع السلطة القضائية، مبرزا أن الوزارة “حرصت على توفير شرح دقيق لجميع المعنيين، كما تم إنشاء مكاتب داخل المحاكم الابتدائية لتسهيل استخدام التقنيات الحديثة في القيد الإلكتروني.”
وتنص المادة الرابعة من القانون على تحديد تاريخ دخوله حيز التنفيذ، وهو مرتبط بصدور النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه. وتبعا لهذه المادة، يشترط إصدار النصوص التنظيمية خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية.
وفي هذا الإطار أشار وزير العدل أمام مجلس النواب، إلى إعداد دليل عملي تحت عنوان “قانون العقوبات البديلة في شروح ـ نحو بناء فهم قانوني مشترك”، فضلا عن مراسلة القطاعات الحكومية لتحديد مجالات الخدمة الاجتماعية التي يمكن أن يعمل بها المحكوم بالعقوبة البديلة، وبأنه يجري التفكير في تطوير منصة إلكترونية لتجميع هذه المجالات والعناوين بحيث يتمكن القاضي من اختيار العمل الاجتماعي المناسب للمحكوم عليه وفقا لموقع إقامته.
ويسعى القانون المتعلق بالعقوبات البديلة إلى وضع إطار قانوني متكامل لهذه العقوبات سواء من حيث تأصيلها وفق القواعد الموضوعية لمجموعة القانون الجنائي المرتبطة بالعقاب، أو من خلال وضع آليات وضوابط إجرائية على مستوى قانون المسطرة الجنائية تهم تتبع وتنفيذ العقوبات البديلة والتي تمثل خطوة هامة في تحديث المنظومة الجنائية المغربية، ومن المتوقع أن يساهم بشكل إيجابي في الحد من ظاهرة الاكتظاظ في السجون وتعزيز فرص إعادة إدماج المجرمين في المجتمع.
ويرى محسن أرفون، الباحث الأكاديمي المتخصص في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد البشرية بالقطاع العام، أن “اعتماد هذا النهج الجديد يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق مرونة أكبر وإنسانية أعمق في التعامل مع الجرائم والجنح، وذلك من خلال التوجه نحو عقوبات تُركز على إعادة الإدماج الاجتماعي وتقليل العقوبات السالبة للحرية عندما يكون ذلك ممكنًا.”
وأضاف أرفون في تصريح لـه، أن القانون “يمثل خطوة مهمة نحو إرساء نظام عدالة جنائية أكثر كفاءة وإنصافًا في المغرب.”
وفي هذا الصدد أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، أن رئاسة النيابة العامة ستعمل على تتبع ومراقبة مدى إعمال العقوبات البديلة لبلوغ الغايات السامية التي شرعت من أجلها، مشددا على ضرورة أن يسهم قضاة النيابة العامة في تفعيل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة وأن يحرصوا على التطبيق السليم والعادل لأحكامه وفق ما هو معهود فيهم من مبادرة وجدية وتفان ووفق ما يمليه عليه ضميرهم المهني وواجبهم الدستوري.
وقد أقر هذا القانون عقوبات بديلة حددت في العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية وفرض تدابير تأهيلية أو علاجية كالخضوع لعلاج نفسي أو العلاج من الإدمان على الكحول والمخدرات والمؤثرات العقلية وأخرى تقييدية كعدم الاقتراب من الضحية والخضوع للمراقبة لدى مصالح الشرطة والدرك الملكي والخضوع لتكوين أو تدريب وغيرها، كما تم في إطار إقرار العدالة التصالحية إضافة عقوبة إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة.
وحسب محسن أرفون، فإنه مع دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ، يفتح المغرب صفحة جديدة في تاريخه القضائي، حيث يُؤسس لعدالة أكثر إنسانية وتوازنًا، إن استمرار هذه الديناميكية، بدعم من التشريعات الملائمة وإرادة سياسية حقيقية، سيكون ضمانًا لتحقيق أهداف العدالة التصالحية وتعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في مجال الإصلاح القضائي على المستوى الدولي.
خطوة بارزة في مسار إصلاح المنظومة الجنائية بالبلاد، وتيسير الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم وإقرار العدالة التصالحية
وتتناول المواد من 15-647 الإطار الإجرائي لتنفيذ عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، بدءا من إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، مرورا بتحديد التدابير، وصولا إلى عواقب الإخلال بها، كما تحدد المواد الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الغرامة اليومية، بدءا من إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، مرورا بتحديد مبلغ الغرامة، وصولا إلى عواقب الإخلال بأدائها، كما يتيح لقاضي تطبيق العقوبات، في حالات محددة، استبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة حتى بعد صدور حكم نهائي.
وتحدد المادة 15-35 الحد الأدنى والأقصى لمبلغ الغرامة اليومية، والذي يتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية، كما توضح المعايير التي يجب على المحكمة أخذها بعين الاعتبار عند تحديد مبلغ الغرامة، كالإمكانيات المادية للمدان؛ خطورة الجريمة؛ والضرر الناتج عنها. في حين تبين المادة 15-35 كيفية أداء الغرامة اليومية، حيث يمكن تقسيطها إذا كان المدان غير معتقل. أما في حال إخلال المدان بأداء الغرامة، تحدد المادة نفسها الإجراءات التي يمكن أن يتخذها قاضي تطبيق العقوبات، والتي قد تصل إلى تنفيذ العقوبة الحبسية الأصلية.
وستتولى المندوبية العامة لإدارة السجون، مسؤولية متابعة تنفيذ هذه التدابير، وفقًا لما تنص عليه المادة 13-35، إذ يتم إعداد تقارير دورية حول مدى التزام المدان بالشروط المحددة، وتُرفع هذه التقارير إلى المحكمة، في حالة الإخلال بشروط التدابير، تملك المحكمة سلطة اتخاذ إجراءات قانونية إضافية، بما في ذلك إلغاء التدبير البديل واستبداله بعقوبة تقليدية، لضمان الالتزام وتحقيق أهداف العقوبة.